تسقط، مع الصدمات الهائلة التي تشعلها تنظيمات ارهابية تتسابق على الوحشية في تصفية ضحاياها، كل بقايا المنطق والتماسك. لو كان للمشاعر وحدها ان تنقذ ما تبقى من رهائن لبنانيين لدى هذه التنظيمات لما تردد على الأرجح غالبية اللبنانيين، ونحن منهم علناً جهاراً وبكل “اللامنطق” الذي لا نخجل بإشهاره، في دعوة الحكومة امس قبل اليوم الى اطلاق كل مخزون السجناء الإرهابيين وترحيلهم الى خارج الحدود لإنقاذ جنودنا. وليقل من شاء ما يشاء في انهزامية هذا اللامنطق وأخطاره. لا نقدم ولا نؤخر شيئا ان قلنا هذا، سوى اننا كلبنانيين عاديين، لا نملك سوى تمزق المشاعر أمام صورة والدة الشهيد علي البزال وقبلها كل أمهات وآباء وزوجات الشهداء الذين فتكت بهم أيد متوحشة، ولم نعد نقيم اي اعتبار سوى لإنقاذ الرهائن المحكومين بأبشع وأشرس ما يمكن ان تتصوره مخيلة.
نقول ذلك بلا أي قفازات وبلا اي دجل وبلا اي استقواء مصطنع. هذا تماماً ما يجب ان تكون الحكومة على بيّنة تامة منه، ولا نريد ان نصدق ان احداً فيها ومنها وكل من تتصل به مسؤولية التعامل مع هذه المصيبة لا يشعر تماماً كما نشعر نحن المواطنين العاديين الممزقين مع عائلات نكبت قبل أربعة أشهر بأن أبناءها صاروا في فك الوحش. ولكن هذه الحكومة التي ابتليت بهذه المصيبة تقف الآن بين عقدة الذنب التي تلازمها لعجزها عن انقاذ الرهائن وبين تسابق الارهابيين على زيادة الضغوط الترهيبية على الدولة واللبنانيين.
وترانا نحاول البقاء متوازنين امام معادلة عجزت عن مواجهة تجارب مشابهة لها أقوى الدول ايضا. ها هي الولايات المتحدة نفسها تفشل في انقاذ رهائنها على رغم قيام قوات الكوماندوس بمحاولات لإنقاذ بعضهم، وكان آخر محاولاتها في اليمن وقتل الرهينة الاميركي. هذه المعاناة وقف العالم ويقف عاجزاً أمامها. لكن ما يغيظك اكثر كلبناني ويشعل فيك كل اللامتصور من جرعات الحنق والغضب وحتى التحفز للعنف، ان لبنان ابتلي بثقل تاريخي للنازحين السوريين لم يعرفه بلد آخر ويهدد كينونته، كما ابتلي بأنه البلد المتروك وحده لصراعه مع الارهابيين في محنة الرهائن.
لن تنفع لعنة الحكومة عند كل صدمة. وقطعاً لا نتبجّح بأننا نملك وصفات وبدائل عجائبية. لكن ثمة ما لم يعد ممكناً احتماله في رؤية إدارة حكومية – أمنية للأزمة أمست كالناس اليائسين الغاضبين العاجزين ونحن منهم. الحكومة هي حكومة ولن يكون مقبولاً بعد اليوم ان يتبجّح احد علينا بذاك المصطلح المشؤوم “أوراق القوة” فيما الشهداء الأحياء يتراصفون في انتظار حكم التصفية بالدور العشوائي او على الهوية. إن أردتم صدقاً فجميعنا أم علي.