ليست المرة الأولى التي تمرّ فيها الأحزاب والتيارات والقوى السياسية اللبنانية بأزمات. لكنها ربما تكون الأولى حيث تساوت الأحزاب، كل الأحزاب ودفعة واحدة، بمواجهة الأزمات التي لم تنطلق بالضرورة في الآونة الأخيرة وإنما منذ سنوات، لكنها ظهرت في هذه الآونة بفعل الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة التي شكلت الاختبار الانتخابي الأول منذ العام 2009 لكل القوى السياسية.
«حزب الله» يشهد أزمة متصاعدة، منذ انخراطه في الحرب السورية، ظهرت معالمها بوضوح في انتخاباته البلدية في البقاع والضاحية والجنوب. حركة «امل» يفكر رئيسها نبيه بري بعقد مؤتمر عام للمراجعة نتيجة مجموعة من المشكلات التي واجهها في الانتخابات. تيار «المستقبل» واجه ازمات متعاقبة بفعل غياب رئيسه سعد الحريري أكثر من أربع سنوات عن لبنان ظهرت نتائجها في الانتخابات البلدية في طرابلس. الحزب «التقدمي الاشتراكي» عانى ما عاناه في قضاءي الشوف وعاليه. التيار «الوطني الحر» شهد أزمات من نوع آخر ظهرت معالمها في نتائج الانتخابات البلدية والداخلية التنظيمية، وإن نجت «القوات اللبنانية» من معضلات مماثلة، إلا انها لم تحقق النتائج المرجوة في الانتخابات البلدية بما في ذلك في معقلها الرئيسي قضاء بشري. حزب «الكتائب» الذي تمثل بثلاثة وزراء في الحكومة الحالية استقال منها فبقي إثنان من أصل ثلاثة على مقاعد الحكومة. الحزب «السوري القومي الاجتماعي» انتخب منذ اسبوعين النائب اسعد حردان رئيساً لولاية جديدة وهو سيضطر الى انتخاب رئيس آخر بعد اسبوعين..
ما سرّ هذه الأزمات؟ وما هو سرّ هذه «المساواة» في الأزمة بين كل الاحزاب الأساسية؟
بالتأكيد هناك أسباب كثيرة، أوّلها ان الحياة السياسية والحزبية في المنطقة المحيطة بلبنان تتعرض لأقسى أنواع التحديات لصالح مرحلة عسكرية وأمنية وتكفيرية تأكل الأخضر واليابس، ويعلو فيها صوت القوة على صوت السياسة. والدليل على ذلك ان الميليشيات والفصائل المسلحة أصبحت أقوى من كل الاحزاب والتيارات السياسية، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن.
ففي الدول التي تشهد حروباً، يتراجع دور المجتمع المدني، الذي تشكل الأحزاب جزءاً لا يتجزّأ منه. أما الدول التي تنعم بالسلم الاهلي كلبنان، فلا تستطيع كل القوى والاحزاب السياسية مجتمعة انتخاب رئيس للجمهورية، ولو استطاع تأمين أكثرية النصف زائداً واحداً في حال معارضة حزب مسلح كـ»حزب الله»، الذي انعكس أداؤه التعطيلي ليس على المؤسسات وحسب وإنما على الأحزاب أيضاً.
معنى ذلك ان كل الاحزاب اللبنانية التي لم تعد قادرة على انتخاب رئيس وفقاً لأحكام الدستور من دون موافقة الحزب المسلح، أو التوافق على قانون الانتخابات او تشكيل حكومة بصورة طبيعية، أو.. أو.. اصيبت بعجز كلي، او نصفي، ما فتح الباب امام اعتراضات متفاوتة من مؤيديها.
واذا كانت هذه الاحزاب شكلت لفترة طويلة من الزمن متنفساً لشرائح اجتماعية واسعة، مثلها مثل كل احزاب العالم، فان انسداد الافق السياسي الراهن وعجز الاحزاب عن احداث خروق في الجدران المسدودة، دفعا شرائح حزبية في كل الاحزاب (أو جمهورها) الى البحث عن متنفس جديد، تارة بواسطة «الفايسبوك» وطوراً بواسطة «الحراك المدني» أو الإعلام، او الانتخابات البلدية، للاعتراض على اداء احزابها محمّلة إيّاها مسؤولية هذا العجز.
اذاً كل قوى وتيارات وأحزاب 14 و8 آذار في أزمة. كلها متساوية بالتمام والكمال في مواجهة معضلات اساسية وثانوية من «مراكز نفوذ» أو «محاور» او اخطاء في السياسة أو في التنظيم، وصولاً الى حروب «الإرث». ولعل اصدق تعبير عن هذه الصورة، المقابلة التلفزيونية التي أجراها الزميل وليد عبود قبل ايام مع نجل شقيق رئيس «تكتل «التغيير والاصلاح» نعيم عون، الذي أظهر وجود اعتراضات واسعة داخل التيار «الوطني الحر» لكنها بعيدة عن السياسة. هي مجرد اعتراضات تنظيمية، مرتبكة، غير متماسكة، طالت معارضين آخرين، من دون ان تقدم بديلاً جدياً، كما لو أنها جزء من معركة «حصر الإرث» لا أكثر ولا أقل.