IMLebanon

الكل شريك في «دم الرئاسة»

قراءة كنسية لمسؤوليات الداخل والخارج في الفراغ

الكل شريك في «دم الرئاسة»

كلام الرئيس تمام سلام عن عمر مديد لحكومته من سنة الى سنة ونصف، لم يفاجئ المرجعيات المسيحية السياسية والدينية، برغم أن هذا الكلام يحمل في طياته نعياً صريحاً للاستحقاق الرئاسي، وتأكيداً لما يتردد في المجالس السياسية عن أن لا رئيس للجمهورية في السنة الحالية.

بعض تلك المرجعيات، ومن ضمنها كَنَسيّون، بلغ فيها التشاؤم حد ترك الأمر للزمن، وربط انتخابات رئيس جديد للجمهورية بما تسميها «معجزة» تجعل من هذا الانتخاب أمراً مفروضاً على الجميع.

أبعد من ذلك، ولأنّ الأفق الرئاسي مسدود بالكامل، ولأنّ الزمن ليس زمن العجائب والمعجزات، فما تخشاه تلك المرجعيات هو ثبات الانتخابات الرئاسية على مسار التعقيد والتباين والانقسام، بما يضع الرئاسة في مهب الانتظار المفتوح والاحتمالات السلبية.

يقول احد الكنسيين، في سياق قراءة نقدية للواقع المسيحي ربطاً بالاستحقاق الرئاسي: «قالوا إن ميشال سليمان هو آخر رئيس جمهورية في لبنان فسخرت منهم، ولكنني اليوم اعيد قراءة هذا الكلام واتمعّن به بقلق كبير».

بحسب تلك القراءة، فإنّ الكل، ومن دون استثناء، شريك في «دم الرئاسة»:

ـ بكركي، بتخبطها، حيث راهنت على التفاهم المستحيل بين القيادات المارونية، ثم عارضت تعديل الدستور، ثم قبلت، ثم سعت للتمديد للرئيس السابق، ثم دعت الى الرئيس القوي، ثم الى التوافقي ثم تبنت مرشحين مغمورين، ثم قبلت بأي رئيس سواء من الصف الماروني الاول او من الصفوف الاخرى، ثم تباينت مع القيادات المارونية… بالتزامن مع افتعالها للاشتباك المباشر مع الرئيس نبيه بري ومع النواب وتحميلهم مسؤولية التعطيل الى حد نعتهم بالخونة!

ـ القيادات المسيحية، بأنانيتها الخالصة، فكل منها تعتبر الرئاسة ثوباً مفصّلاً على مقاسها. سمير جعجع يريد الكرسي بأيّ ثمن ويرفض أن يقتنع بأن طريقه الى بعبدا مقطوع. ميشال عون صاحب مقولة «لن أخرج من معركة الرئاسة الا شهيداً»، ومن يزوره يسمع «أنا وحدي أملك مفتاح مجلس النواب، ولو اجتمع العالم كله لن يستطيع ان يفتح المجلس لانتخاب، ولو اجتماع العالم كله لن يستطيع ان يؤمن الثلثين لانعقاد جلسة لانتخاب غير عون».

ـ التمييع وتضييع الوقت، وذلك بالانشغال بلا طائل بتحضيرات للقاء عون وجعجع. فالرجلان مقاصدهما مختلفة ولكل هدفه، وها هو جعجع ينعى اللقاء قبل حصوله بمقولة «النظرة والابتسامة» وهو القائل «اريد ان اتفق مع عون على كل شيء الا رئاسة الجمهورية». وها هو يصفه قبل يومين بمرشح ايران. وقبله نعى عون اللقاء «إن أتى من دون أن يؤيد ترشيحي، فلا معنى للقاء». تلحظ القراءة النقدية كلاما لأحد المطارنة: «هذه ليست مفاوضات وتحضيرات للقاء وتفاهم.. هذا حديث طرشان.. ومع الأسف مشكلة المسيحيين تكمن هنا».

ـ القيادات السياسية، بإصرار بعضها على ان اي حل لرئاسة الجمهورية يجب ان يمر عبر ميشال عون، وباتفاق جوهري معه وليس اتفاقاً شكلياً. لكن هذا الاصرار يقابله اصرار عون على عدم الانسحاب من المعركة مهما كان الثمن.

ـ سعد الحريري ومعه «14 آذار»، بدورها التعطيلي إن في الانتظار الدائم لمتغيرات اقليمية ودولية، او بالتمسك تارة بترشيح جعجع، وتارة اخرى بالدعوة الى مرشح توافقي غير عون وجعجع.

ـ «8 آذار»، بدورها التعطيلي للانتخابات الرئاسية عبر الاصرار على ترشيح عون، ورفض البحث بأي مرشح آخر.

ـ ايران والسعودية. بتبنــي طهــران لترشيح عون، وكلام الرياض الضمني أنــها لا تستطــيع التعايش مع عون رئيسا للجمهورية.

ـ الغرب، بلامبالاته بموضوع الرئاسة في لبنان، ربطا بسياسته التي اخرجت المسيحيين من دائرة اهتماماته واولوياته وتركهم لمصيرهم.

ـ الفاتيكان، بعجزه عن جعل الاستحقاق الرئاسي اولوية دولية، ولا حتى اولوية لبنانية، فلا هو بادر ولا هو استطاع ان يزرع بذور التفاهم بين القيادات المارونية في بلد يعتبره ملاذا اخيرا للمسيحيين في الشرق.

تلحظ القراءة النقدية المسيحية، ان المسلمين يتحملون جزءاً من مسؤولية تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، الا ان المسؤولية الاكبر يتحملها المسيحيون، فصراع عون وجعجع المستمر منذ الثمانينيات، ادى الى نزف هائل لدى المسيحيين وضعف وتراجع في حضورهم وفعاليتهم، وخروجهم من دائرة القرار في الدولة.

يقول احد المطارنة: «الطائف اضعف المسيحيين، ولكن المسيحيين انفسهم هم الذين تسببوا به، ويخشى أن يتسببوا بما هو اخطر عليهم في المستقبل نتيجة انقساماتهم وصراعاتهم «.

ابعد من ذلك، يدق المطران المذكور جرس انذار في الوسط المسيحي، ويقول: «المسيحيون اليوم خارج دائرة القرار، والمناصفة المنصوص عليها في الدستور شكلية وورقية لا اكثر. مع الاسف، البلد يدار اليوم بثنائية سنية شيعية، ومع ذلك يلوّح البعض بالمثالثة. ولذلك اعتقد ان على المسيحيين الا يخافوا من طرح المثالثة، فهي على علاتها، إن اعتمدت في بلد يدار الآن ثنائيا يمكن ان تعيد بعضا من الدور والحضور للمسيحيين وتدخلهم مجددا الى غرفة القرار والشراكة الفعلية مع المسلمين».