IMLebanon

لكلّ السياسيين والأحزاب “جيوش إلكترونية” وجيش “حزب الله ” الأقوى

 

هل باتت الهواتف الذكية في زمن السلم المفترض بديلة من الأسلحة التي قسّمت الدولة إلى دويلات في زمن الحروب الماضية؟ أو منصة لإطلاق صواريخ الكلام؟ وهل الصراع اليوم أقلّ حدّة أو أكثر مع تبدّل نوعيّة الأسلحة؟ وجد المتحمسون للإشتباك أرض المعركة وهي العالم الإفتراضي. فيه يخوضون معاركهم الكلامية الطاحنة معارك تؤخذ على محمل الجدّ، وجدّ الجدّ. ولأنّ المعارك الافتراضية تحتاج جيوشاً لخوضها قامت أحزاب وشخصيات لبنانية بتجنيد “مقاتلين” من نوع آخر وتجهيز جيوش إلكترونية تمهيداً لخوض معاركها السياسية واستكمال صراعاتها. فالنصر أو الهزيمة في الساحة الإفتراضية قد ينسحب على أرض الواقع.

تتكرر اليوم عبارة “جيوش الكترونية” كهاجس على ألسنة شخصيات عامة لمجرّد تعرّضها لبعض الانتقادات والتعليقات التي قد لا تعجبها. ولا تقدّر أغلب هذه الشخصيات أن مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت مساحةً تتسع للجميع وكسرت الحظر المفروض على حرية التعبير الشعبي. وسواء بالغت شخصيات بتصوير نفسها مستهدفة أو لم تبالغ، فظاهرة “الجيوش الالكترونية” حقيقة، بعضها يستهدف فعلاً شخصية محددة محاولاً اغتيالها معنوياً وتشويه سمعتها، ( كما حصل مع الزميلة ديما صادق في محطات عدة) أو مضايقتها بهدف دفعها للإنكفاء عن مواقع التواصل الاجتماعي. وأولت معظم الدول أهمية للجيوش الالكترونية التي غدت ضرورة ترتبط بالأمن القومي. وبلغت فعالية هذه الجيوش حدّ اتّهامها بالتدخل بالانتخابات الرئاسية الأميركية والمساهمة بوصول دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من خلال قيام روسيا بنشر أخبار مزيفة والترويج لها على وسائل التواصل الإجتماعي.

 

هجمات وكرٌّ وفرٌّ… افتراضياً

 

على الصعيد اللبناني يؤكد الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي، عمر قصقص، لـ”نداء الوطن” امتلاك كل أحزاب وسياسيّي لبنان جيوشاً الكترونية، كذلك يؤكد امتلاك كل المرشحين الذين خاضوا الانتخابات النيابية الأخيرة جيوشاً. ووفق قصقص، تركّز عمل هذه الجيوش على ضرب الخصم أكثر من الترويج لمرشّحها. “هجمات الجيوش الالكترونية مؤثرة، فهي تعمل على شيطنة الأشخاص، وتؤدي هجماتها إلى الإضرار بالسمعة، كما تسبّب الأذى النفسي للشخص المستهدف. وتكمن أهمية هذه الجيوش في تأثيرها وقدرتها على تغيير الرأي العام، إذ يتأثر الناس بالمواضيع التي تطرح عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

 

يقسّم قصقص الجيوش الإلكترونية إلى افتراضية وحقيقية، أما مهمتها فمحاربة أي هجوم أو انتقاد أو ملف فساد إعلاني أو سياسي مضاد والحد منهم، والردّ بعنف على أي شخص ينتقد الجهة المجنِّدة. بينما تستخدم الجيوش الالكترونية الافتراضية (الوهمية) لإثارة موضوع معيّن، فتنشر تغريدات من حسابات مزورة أو وهمية لتصبح الأكثر تداولاً (تراند). في هذا الإطار يلفت محمد نجم، مدير المناصرة والسياسات في منظمة سمكس،إلى أنّ عمل الجيوش الالكترونية في لبنان مختلف عنه في الخليج. “ففي دول الخليج تستخدم تكنولوجيا لخلق حسابات وهمية من أجل تمييع الوسم او تغييره او اختراع وسم ومشاركة نفس المحتوى ونسخه، وهو ما لا يحصل في لبنان. في لبنان تعمل الجيوش وكأنها مجموعة من الشباب تتداعى للتعاون من أجل دفع سيارة، فتطلب يد العون من الناس من أجل دفع الوسم ( هاشتاغ) ليكون الأكثر تداولاً”.

 

وعلى الرغم من أن رواج ظاهرة الجيوش الالكترونية بدأ في لبنان منذ العام2014، غير أنها لا تزال وكأنها تستعمل في حروبها الأسلحة التقليدية الخفيفة. ولم تدخل بعد عصر الأسلحة الثقيلة، أسلحة التجسّس والقرصنة وشن الهجمات لتعطيل أنظمة الخصم واستهداف قاعدة بياناته، وكأنها لم تتسلح بعد بالقدر اللازم لخوض هجمات مصيرية كهذه. هو خبر سارّ يؤكده قصقص: “تتوقف مهمة الجيوش الالكترونية في لبنان عند الهجوم وضربة الـ “trend”. لا تجسس ولا اختراقات. فالجيوش الالكترونية تمتلك خبرة في السوشيل ميديا وتتخذ احتياطات ولا يجرؤ أحد على اختراق الآخر. قد تلجأ أحياناً إلى حملة تبليغ لتسكير حساب ما، لكنها مسألة عادة ما تحل. أما مسألة التجسس وخرق الحسابات ليست شائعة في لبنان بل محصورة، ربما لدى كل حزب بشخص أو اثنين يقومان بهجمات كهذه، لكنها تفضح بسرعة، هذه الظاهرة نراها في البلاد العربية وليس في لبنان”. بينما يرى محمد نجم أن السبب في شح هجمات القرصنة والتجسس في لبنان يعود إلى ارتفاع كلفة الاستثمار بهذا الأمر “وفي لبنان لا يملك أحد المال اصلاً للقيام بذلك”.

 

الساعة الصفر

 

في لبنان تحاول الجيوش الالكترونية تنظيم نفسها قدر الإمكان. تحدد هدفها تضع خطتها، وتحدد الساعة الصفر لشنّ هجومها. عادة ما تختار قيادة هذه الجيوش شنّ هجماتها مساءً، بين الساعة السادسة والحادية عشرة ليلاً، باعتباره وقت الذروة، حيث ينشط العدد الأكبر من مستخدمي مواقع التواصل. فتبدأ الحروب العلنية، وتخاض معارك الرأي. تنتشر الأخبار الصحيح منها والملفق، وتخاض حملات المناصرة أو التجييش التي تصل حدّ الشتم والتحريض. يعدُّ الوسم سلاحاً أساسياً لا يمكن خوض المعركة من دونه. تشكّل الكلمات المفتاح الذي تنطوي تحته كل الأفكار المعدة للنشر وكل الهجمات المتعلقة بالموضوع. يحاول الجيش اختيار الوسم الذي يلخّص الفكرة ويوصلها بأقل عدد كلمات يمكن للقارئ تلقفها بسرعة، آملين أن تطاول أكبر عدد ممكن من مستخدمي مواقع التواصل وتحديداً “تويتر”، وإشراكهم في استخدام الوسم لجعله الأكثر تداولاً. وإن تقدّم وسم ما قد يتصدّى له جيش الخصم الالكتروني بوسم مضاد يطرح أفكاراً نقيضة في محاولة لصدّ الهجوم، وشنّ هجوم مضاد. وبين الجيشين ينقسم “مدنيو” العالم الافتراضي.

 

وعادة ما تحتدم المعارك الالكترونية مع احتدام التصريحات السياسية والأحداث. وقد يبادر سياسيون عبر حساباتهم إلى فتح سجالات سياسية عبر هذه المواقع ليسارع مناصروهم إلى نصرتهم واستكمال الهجوم. وبعيداً عن أجواء السياسيين، قد يكون لتخلّف المؤسسات الرسمية من الناحية الالكترونية إيجابيات، فالمسألة لا تحمّس المقرصنين لشن هجمات لن يكون لها أثر في شلّ المرافق العامة، فلا بنى تحتية إلكترونية “استراتيجية” متطورة لتدميرها!

 

رواتب للقادة وخدمات للعناصر

 

يحكي قصقص أنّ الأحزاب عادة ما توظّف شخصاً لإدارة حملاتها الالكترونية، بينما يشترك مناصروها في الحملات التي تدار عبر مجموعات على تطبيق الواتساب. وفي حين يتقاضى قائد الجيش الالكتروني راتباً يتراوح بين 3000 أو 4000 دولار، لا يقبض باقي الناشطين في الجيش رواتب، بل يجنّدون مقابل خدمات تقدّم لهم، بحسب قصقص. ” بينما يدفع النائب لقائد جيشه راتباً يتراوح بين 2000 و3000 دولار، ويتألف جيشه من نحو 6 أو 7 أشخاص تقريباً”. وفي حال رصد هذا السياسيّ تغريدة أو منشور يهاجمه يرسله إلى قائد جيشه الالكتروني ليتولّى الردّ. ويقدّر قصقص عديد الجيش بنحو 50 شخصاً، يملك كل منهم نحو 10 حسابات مختلفة أي ما يساوي نحو 500 حساب بإمكانهم التحرّك للردّ على أي تغريدة ومهاجمة مطلقها خلال ساعات. “لذلك ولدى كتابة أي منشور قد يطال سياسياً ما، نجد فجأة أنّ عشرات الحسابات تحركت وبدأت هجومها”.

 

يؤكد قصقص التفاوت في القوّة بين الجيوش الالكترونية، “فجيش 8 آذار الالكتروني أقوى من جيش 14 آذار. وبحسب الترتيب فإنّ جيش “حزب الله” هو الأقوى، يليه جيش “التيّار الوطني الحر”، ويحلّ جيش “القوات” الالكتروني ثالثاً، يليه جيش “الإشتراكي” ومن ثم جيش المستقبل. وعن كيفية التمييز بين الحملات المنظمة وتلك العفوية، يلفت قصقص إلى أن الحملات العفوية وغير المنظمة عادة ما تتناول المواضيع التي تطرح قضية مظلوم، ويتداولها كل المستخدمون عبر حساباتهم الشخصية ولا تنحصر بجهة معينة. “أما الحملات المنظمة فيمكن كشفها من خلال تحديد الجهة التي تشنّها، ففي هذه الحالات تتحرك جهة معيّنة وتردُّ عليها جهة أخرى، نشعر بلون واحد وبوجود جهة محرّكة يمكن كشفها من خلال تفحّص الملفّات الشخصيّة وطريقة الكلام، كذلك من خلال جو البلد وتلقف نشرات الأخبار لها”.

 

وفيما يتفاوت بشكل كبير عدد اللبنانيين الذين يستخدمون “تويتر” وأولئك الذّين يستخدمون “فيسبوك” فمن السّهل طرح قضيّة عبر “تويتر”. إذ تكفي آلاف قليلة من التغريدات لجعل الوسم والموضوع الذي يطرحه الأكثر تداولاً، ولتعرضه نشرات الحادية عشرة والنصف مساءً في فقرات “السوشيل ميديا”. كما يمكن التواصل مباشرة مع السياسيين عبر موقع “تويتر”، من دون وساطة الإعلام. لكن تذكّر دوماً، وقبل أن تدلي برأيك بأنّك تحت مرمى نيران الجيوش الالكترونية.

 

 

قصير: حملة «نحمي ونبني» كانت الأولى وبميزانية قليلة

 

في اتصال مع «نداء الوطن» ينفي معاون رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» النائب السابق، عبدالله قصير، وجود جيوش الكترونية بالمعنى الحقيقي في لبنان، «فعادة تمتلك الجيوش إمكانات ضخمة كمركز «اعتدال» السعودي، والأحزاب في لبنان لم تصل بعد لهذه المرحلة. إنما هناك مجموعات تنسق في ما بينها، وهناك أحزاب لديها مجموعة ناشطين أو مؤيدين». كذلك ينفي قصير أن يكون لدى «حزب الله،» حتى الآن، جيش الكتروني. «إنما لديه قاعدة مؤيدين ضخمة على أرض الواقع وهو ما ينعكس عبر مواقع التواصل الإجتماعي». ووفق قصير فإن إحصاءات الانتخابات النيابية التي جرت في العام 2018 أظهرت تقدماً لحملة «نحمي ونبني» التي أطلقها «الحزب» واحتلت المرتبة الأولى عبر مواقع التواصل الاجتماعي بـ 55 مليون استخدام، أما الحملة العونية (التيار القوي للبنان القوي) فحلت ثانية بـ 44 مليوناً، فيما حلت حملة «القوات اللبنانية» ( صار بدا) ثالثة بـ35 مليوناً. ويكشف قصير أن ميزانية «حزب الله» المخصصة لهذه المسائل قليلة.

 

بالمقابل، يؤكد قصير امتلاك «حزب الله» إمكانيات رصد ممتازة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقدرة على اكتشاف الحسابات الوهمية. «يمكن كشف الحسابات الوهمية إذ عادة ما تظهر فجأةً في لحظة معيّنة. وينشر نفس المنشور من حسابات عدة أو يتكرر بنحو ثلاث أو أربع صيغ مختلفة تظهر كلها خلال دقيقة واحدة. أي لا نرى تفاعلية بشرية بل حسابات تدخل دفعة واحدة». ويعتبر قصير أن الجيوش الالكترونية ما زالت قيد الإختبار، «فهذه الحملات قد تنجح مع المواطن العادي، لكنها لا تنجح مع الذين يعلمون بهذه الأمور. لذلك يمكن للجهات التي ترصد هذه الهجمات توجيه جمهورها وتنبيهه». ويلفت قصير إلى أهمية وضع قانون «لضبط التجاوزات والافتراءات والتهكّم والاتهامات».

 

ويكشف قصير أن إحصاءات أجريت أظهرت الأرقام التالية:

 

يقدر عدد سكان لبنان بنحو 4,9 ملايين نسمة، إضافة إلى نحو مليون سوري وفلسطيني. أي أنّ في لبنان نحو 6 ملايين ساكن تقريباً.

 

92% من اللبنانيين يتاح لهم الوصول إلى الانترنت.

 

73% منهم يستخدمون موقع «فيسبوك»، ولا يستخدمونه جميعهم بشكل يومي. بينما يتفاعل منهم مع المسائل السياسية نحو 150 ألف شخص فقط.

 

أما مستخدمو «تويتر» فلا تتعدى نسبتهم الـ 12% إذ تستخدمه النخب: سياسيون، إعلاميون، مهنيون. بينما يستخدمه 7% في المسائل السياسية.

 

تقدمت وسائل التواصل الإجتماعي على بقية وسائل الإعلام. واليوم يعتمد نحو 70% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً على مواقع التواصل الإجتماعي لمعرفة الأخبار. وباتت هذه المواقع تضم أكثر من ميزة مقارنة بوسائل الإعلام: كلفة منخفضة، سرعة الانتشار وامكانية تصنيف المستخدمين بسهولة. كما وتعطي أرقاماً أكثر واقعية عن اهتمامات الناس، إذ يمكن معرفة التفاعلات من خلال حفظ كلّ كبسة يقوم بها المستخدم.