يقول رئيس النظام السوري بشّار الاسد ان التفاوض في جنيف «لا يعني وقف الحرب على الارهاب». جاء كلام الاسد الابن الى «وكالة الصحافة الفرنسية» بعد ساعات من الاعلان من ميونيخ عن اتفاق لوقف النار بين الولايات المتحدة وروسيا وتأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان الاتفاق لا يشمل «النصرة» و»داعش».
اكّد الاسد الابن لاحقا في لقاء مع مجموعة من الموالين له في دمشق عدم الرغبة في وقف للنار بأيّ شكل. لا يدرك الرجل، الذي يعيش في عالم خاص به لا علاقة له بالعالم الحقيقي، انّ القرار في دمشق لم يعد قراره. لا يدرك خصوصا انّه ليس سوى اداة تستخدم غطاء للحرب التي تشنّها ايران على العرب، على العرب السنّة تحديدا، من جهة وللتدخل العسكري الروسي الذي يخدم اغراضا محدّدة لموسكو.
لا قيمة تذكر لأي كلام يصدر عن الاسد باستثناء انّه يعكس ما يريده الذين يمسكون به هذه الايّام ويتحكّمون بقراره ومصيره ويبقونه موجودا في دمشق.
من ينظر الى الصورة الكاملة يرى ان كلّ ما في الامر انّ روسيا غير راغبة في وقف حربها على الشعب السوري بمشاركة ايران وغطاء من النظام. كلّ ما عدا ذلك كلام بكلام عن مفاوضات ووقف لاطلاق النار يفسّره كل طرف على طريقته.
حتّى ممثل الامين العام للامم المتحدة ستيفان دي ميستورا، يمتلك تفسيره الخاص لما جرى في المؤتمر الذي انعقد في ميونيخ والذي تحدّث على هامشه وزيرا الخارجية والروسي والاميركي عن وقف النار في غضون اسبوع. بالنسبة الى دي ميستورا، لا يوجد وقف للنار، بل «وقف للاعمال العدائية»!
كلّ يغنّي على ليلاه في سوريا. الواضح، اقلّه الى الآن، انّ روسيا مصرّة على متابعة حملتها العسكرية التي بدأت في ايلول ـ سبتمبر الماضي، وذلك بالتنسيق مع ايران التي ارسلت الميليشيات المذهبية التابعة لها الى حيث استطاعت. لجأت الى ذلك في غياب اي قدرة لدى النظام على تجييش قوات قادرة على شغل المواقع التي ينسحب منها مقاتلو المعارضة تحت ضغط الغارات الروسية.
استطاعت قاذفات «سوخوي» تحقيق نتائج «جيّدة« على الارض باستهدافها المعارضة المعتدلة والمدنيين السوريين وتوفيرها «داعش».
يتبيّن كلّ يوم ان «داعش» هو الحليف الاوّل للنظام السوري ولكلّ من روسيا وايران. انّه العذر المفضل من اجل متابعة الحرب على الشعب السوري من جهة وتهجير اكبر عدد ممكن من السوريين من جهة اخرى. فوق ذلك كلّه، هناك رغبة في تطويق حلب وليس في السيطرة على المدينة من داخل. المهمّ قطع طرق الامداد الذي يربط بين الاراضي التركية وحلب. وهذا يطرح سؤالا بديهيا فحواه ما الذي تنوي تركيا عمله؟ هل ترضخ للاملاءات الروسية والايرانية؟
هل تخشى تركيا الى هذا الحدّ من الورقة الكردية التي تبدو موسكو قادرة على تحريكها ضدّهها؟ ام ان ما تخشاه حقيقة هو ذلك التواطؤ الاميركي مع روسيا في شأن كلّ ما له علاقة بسوريا، بما في ذلك استخدام الورقة الكردية؟
في كلّ الاحوال، هناك عبارة واحدة صادقة في كلّ الحديث الذي ادلى به الاسد الابن الى الوكالة الفرنسية. هذه العبارة هي ان استعادة النظام لكلّ الاراضي السورية «سيأخذ وقتا طويلا». اعتاد النظام على «الوقت الطويل». خسر الجولان الذي احتلته اسرائيل في العام 1967، ولم يبذل يوما جهدا جدّيا لاستعادة تلك الارض المحتلة، لا سلما ولا حربا. لم تكن حرب اكتوبر 1973 سوى ذريعة للتوصل الى اتفاق لفصل القوّات مع اسرائيل في 1974 ونسيان شيء اسمه الجولان.
في نهاية المطاف، لا يصبّ كلام بشّار الاسد سوى في اتجاه واحد. تختزل هذا الاتجاه رغبة في تفتيت سوريا وابقاء النظام مجرّد صورة بحماية روسية وايرانية. وهذا حاصل الآن.
الى متى يمكن ان يستمرّ الوضع الراهن القائم على كذبة كبيرة بأنّ النظام السوري يقاتل «داعش» وانّ على العالم تصديق هذه الكذبة والعمل انطلاقا منها وبالاستناد اليها؟
يمكن للكذبة ان تستمرّ بعض الوقت، خصوصا في ظلّ ادارة اميركية لا تمتلك اي استراتيجية في الشرق الاوسط. كلّ ما تريده هذه الادارة، التي لم يعد لديها سوى احد عشر شهرا، استرضاء ايران من جهة وتفادي اي مواجهة من ايّ نوع مع الكرملين من جهة اخرى.
عاجلا ام آجلا، ستكون هناك نهاية للكذبة. اي كذبة، مهما كانت محبوكة لا يمكن ان تعمّر الى الابد. ليس ضروريا الرهان على الادارة الاميركية الجديدة التي ستخلف ادارة اوباما. فهذه الادارة الجديدة يمكن ان تكون في سوء الادارة الحالية.
الرهان الوحيد يبقى على الشعب السوري، وذلك على الرغم من الخطر الذي يهدّد مستقبل الكيان الذي بات قابلا للتفتيت. لماذا يمكن الرهان على الشعب السوري؟ هناك سببان. الاوّل ان هذا الشعب لم يعد لديه ما يخسره بعد الحرب التي يتعرّض لها والتي ستمضي عليها قريبا خمسة اعوام. من صمد خمسة اعوام يستطيع ان يصمد عشرة اعوام. لم ينس مواطن سوري الى اليوم مجزرة مدينة حماة التي ارتكبها النظام، على الرغم من مضيّ اربعة وثلاثين عاما عليها. لن ينسى الشعب السوري يوما ما الذي تعرّض له منذ بدء اقامة النظام الأمني اثر الوحدة مع مصر في العام 1958 وبعد الانقلاب البعثي في العام 1963 الذي سمّي «ثورة الثامن من آذار». كان ذلك الانقلاب خطوة اولى على طريق قيام النظام العلوي الذي اوصل سوريا الى ما وصلت اليه اليوم.
السبب الآخر ان روسيا لن تكون قادرة على متابعة حملتها العسكرية مهما تبجحت بقدراتها وبانتصاراتها العسكرية على شعب اعزل. روسيا ستستعيد حجمها الحقيقي قريبا لانّ اقتصادها الهشّ لا يتحمّل بقاء سعر النفط والغاز على حالهما. ستدفع غاليا ثمن ما ارتكبته… ورأس الاسد الابن لن يكون سوى دفعة اولى على الحساب!
لا يمكن لأي سوري القبول باقلّ من رحيل الاسد الابن الذي تبدو مهمّته محصورة بالانتهاء من الكيان السوري الذي عرفناه. الى ان يثبت العكس، لا يبدو ان هناك هدفا آخر لايران وروسيا غير تقسيم سوريا، علما ان السؤال الكبير الذي سيبقى مطروحا في الايام المقبلة هل لدى تركيا القدرة على التدخل؟ ربّما كان الاهمّ من القدرة، وجود رأي تركي موحّد في هذا الشأن. هذا الرأي الموحّد هو الذي ينقص تركيا ويحرمها، اقلّه حتّى الآن، من مقعد الى طاولة المفاوضات التي سيتقرّر فيها توزيع الحصص في سوريا مستقبلا. هل يمكن لتركيا البقاء على هامش الحدث السوري الكبير وتفاعلاته المتوقّعة على الصعيد الاقليمي؟