Site icon IMLebanon

كلّ ما «تمنَّته» أنقرة من واشنطن… «أدركته» من موسكو!

 

ليس صعباً على أيّ متابعٍ لتطوّرات الأزمة السورية أن يقرأ المتغيّرات التي طرأت على هوية المتقاتلين على أراضيها. فقبل تدخّل الحلف الدولي وإيران، ومن بعده روسيا مباشرة، جاء الدور التركي، وهو ما أعطى الحرب شكلاً جديداً كان متوقّعاً، فما تمنّته أنقرة طيلة سنوات الحرب من واشنطن بدأت بتحقيقه منذ تحالفها مع موسكو. فما الذي يقود الى هذه النتيجة؟

قبل أن تدخل الأزمة السورية عامَها السابع في آذار المقبل، يمكن للمؤرّخ أن يقرأ الجولات التي شهدتها، والتي تغيّرت فيها هويات المتقاتلين قبل اجتياح «داعش» لأراضيها في حزيران 2014 وبعده، والذين توزّعوا في مرحلة من المراحل على أكثر من 197 جبهة كانت مشتعلة في الوقت عينه من جنوب البلاد على الحدود مع الجولان المحتل والأردن، إلى أقصى شمالها مع الحدود التركية، ومن ساحلها الشرقي وحدودها مع لبنان الى عمق صحرائها، فالحدود العراقية.

وبعد استعراض هذه المراحل التي انطلقت شرارتُها من سوق درعا الشعبي في 16 آذار 2011 وانتقلت بسرعة الى المدن الكبرى في حمص وحماه وحلب فالعاصمة السورية، إيذاناً بعسكرة المعارضة السلمية، لم تعد تتّسع المعاجم العسكرية والسياسية لأسماء المنظمات والمجموعات المسلّحة السورية المعارِضة. فتبدّلت وتغيّرت في مراحل مختلفة حتى بات من الصعب استعادة أو التذكير بأسماء اكتسبتها هذه الجبهات وقادتها.

كان ذلك، قبل أن يتدخّل الحلف الدولي بعد الإعلان عنه في 11 ايلول 2015، بقواته الجوّية التي جمعت طائراته من 7 دول خليجية وأوروبية وأميركية وأستراليا وكندا وتركيا، تزامناً مع دعم المجموعات البرّية بكلّ أنواع الأسلحة الثقيلة.

فشكّلت تحولاً ناتجاً عن التقاء مصالح 10 دول عربية وغربية، اجتمع وزراء دفاعها ورؤساء الأركان في جدة لمناقشة التطورات السورية وما بلغته «الدولة الإسلامية في سوريا والعراق»، مِن تقدّم في الدولتين ومِن توجّه نحو إقامة مؤسّسات لدولة كاملة.

بقيَ الوضع على ما هو عليه الى أن جاءت التطوّرات العسكرية والإنتصارات التي حقَّقتها المعارضة على اكثر من جبهة وسقوط المدن الكبرى بعد السيطرة على البادية السورية والحدود السورية مع العراق والأردن وجزءٍ من الحدود اللبنانية وصولاً الى ما يُهدّد الساحل السوري وعزله عن دمشق، فجاء التدخّل الروسي الحاسم فجر الأول من تشرين الأول 2015 ليقلب الموازين ويُغيّر المعادلات في مسار الأزمة إنقاذاً لما تبقّى من النظام ولحماية القاعدة الروسية في طرطوس.

وبالعودة الى المسار التركي وتقلّباته، يتوقّف المراقبون عند هذا الدور الذي بدا داعماً للمعارضة السورية، فشكّلت الأراضي التركية منطلقاً لكلّ أشكال الدعم العسكري والسياسي والديبلوماسي، وفتحت المعابر الحدودية أمام قوافل السلاح في اتّجاهين لدعم المعارضة السورية، ولتسهيل تجارة «داعش» بالنفط السوري والثروات الطبيعية الأخرى.

وأمام الواقع الجديد الذي حكَم العلاقات التركية مع دول الحلف الدولي، بدأت أنقرة تتوجّس من حجم القوى الكردية الناشئة بعد «معركة كوباني» التي وسّعت ما بين حزيران 2014 ومطلع العام 2015، من نطاق المنطقة التي تحكمها «قوات سوريا الديموقراطية» بعد طرد «داعش» منها.

وعليه، بدأت المناكفاتُ التركية مع واشنطن ودول الحلف سعياً الى دورٍ تركيٍّ مباشر على طول حدودها مع سوريا بلا جدوى. وعلى وقع تصدّي الحلف للطموحات التركية عجزت أنقرة عن الردّ لفترة تزامَنت وتردّي علاقاتها مع موسكو عقب إسقاط طائرة «سوخوي 24» روسية في 3 تشرين الأول 2015 فوق جبال التركمان.

وأمام حجم الرفض الأميركي المتمادي لكل المطالب والأحلام التركية، وانسحاب علاقتها السلبيّة على دول الحلف الدولي والخليجيّة منها، واستبعاد ضمّها الى الاتّحاد الأوروبي، إعتذرت تركيا من موسكو على حادث الطائرة وفتحَت معها صفحة جديدة سرعان ما توسَّعت لتتحوّل طرفاً في الحلف الثلاثي مع موسكو وطهران، في مواجهة ما تبقّى من الحلف الدولي على الإرهاب.

وقدّمت تنازلات كبيرة في حلب سمَحت للقوات السورية النظامية والروسية بإعادة السيطرة عليها مقابل غضّ نظر واضح لإطلاق يدها في عملية «درع الفرات» التي انطلقت مطلع العام 2015 بوضع اليد على «جيب جرابلس» وانتهت في آذار من العام نفسه بالفصل النهائي بين منطقتي الأكراد في كوباني ومنبج من جهة الغرب وعفرين شرقاً.

وهي العملية التي انتهت بإعلان الخلاف بين أنقرة وواشنطن لمجرّد أنّها أخلّت، في رأي الأتراك، بمضمون تفاهم أميركي – تركي قضى بمنع توسّع القوات الكردية الى شرق مجرى نهر الفرات وتحديداً الى منبج وهو ما لم تتقيّد به.

ويلاحظ المراقبون أنّ أنقرة التي بدأت تتلمّس إمكان توفير مطالبها التي ربطتها بالأمن القومي التركي والمواجهة المفتوحة مع الأكراد من خلال حلفها مع موسكو وطهران، أطلقت عمليّة «غصن الزيتون» للسيطرة على الجيب الكردي في عفرين الذي يتَّسع لنحو 350 ألف سوري معظمهم من الأكراد، ولكن من بينهم مسيحيين ومن طوائف مختلفة بغض نظرٍ روسي بعد سحب قواتهم من المنطقة والإستعداد لمساعدة 50 ألف نازح، في وقت بلغ التّشكيك الكردي مداه الأقصى بالدور الأميركي والشعور بتحوّلهم الى «ورقة مصلحة على موائد الدول الكبرى، تُطرح ضمن ترتيبات العلاقات الإقليمية والدولية وتحوّلاتها».

فالأكراد لم يستوعبوا بعد انتهاء كيان «كردستان العراق»، وها هو كيان «كردستان سوريا» يقترب من المصير عينه بعدما قدّموا ما قدّموه من «تضحيات» في القضاء على «داعش».

وقبل الإسترسال في ما يمكن أن تؤدي اليه عملية «غصن الزيتون» في الأيام المقبلة، فقد بات ثابتاً أنّ الأحلام التركية التي راهنت أنقرة على تحقيقها من بوابة علاقاتها بواشنطن بدأت تتحوّل أمراً واقعاً جديداً بمشيئة موسكو وطهران. والآتي لربما كان اعظم.