ليس من الغريب أن يكون الغموض – البنّاء بالنسبة للطرفين – هو ما يرافق محادثات القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان… بل الغريب هو ألاّ يكون الغموض هو الصفة الغالبة عليه، نظراً لطبيعة النظامين والرجلين. واحدهما هو خريج إحدى أدهى أكاديميات المخابرات في الزمن السوفياتي، وثانيهما هو أحد أقطاب الباطنية السلفية الاخوانية في هذا الشرق. ولا ينخدع أحدهما بالآخر، ويعرف كل منهما المدى الذي يمكن أن يذهب اليه الآخر في دعمه ولا يتخطاه… فلا الرئيس بوتين يضع في حسابه استدارة أردوغانية تحوّل اتجاه تركيا من الغرب الأميركي الأطلسي الى الشرق الروسي. ولا الرئيس أردوغان يضع في حسابه اقامة محور روسي – تركي يهيمن على الشرق الأوسط. وبراغماتية كل من الرئيسين لا تتجاوز تحقيق انعطافات تكتيكية محدودة في الزمان والمكان، وتضمن المصالح للطرفين…
وأياً تكن قوة التأثير الروسي والتركي منفردين أو مجتمعين في تحريك الأزمات والحلول في سوريا والمنطقة، فان تلك القوة محدودة بتأثير فاعل لأطراف أخرى على رأسها دولياً، الولايات المتحدة الأميركية، و،اقليمياً، ايران والسعودية واسرائيل، وبينما تقيم أميركا تحالفاً وثيقاً مع كل من السعودية ودول الخليج مجتمعة من جهة، واسرائيل من جهة أخرى، فمن الطبيعي أن يكون اصطفاف ايران هو في المحور الآخر، ولكن وفق أوضاع تحتاج الى التدقيق والتفاوض والاتفاق على الأهداف والتوازنات النهائية. وهذا ما نشهد اشاراته اليوم من حراك بين عواصم هذا المثلث: موسكو وأنقرة وطهران.
وفي اقتناع الأطراف كافة على المحورين الروسي والأميركي وحلفائهما، ان الاتفاق على حلّ للأزمة السورية يسهّل الحلول لسائر الأزمات في المنطقة، وتعثره يزيد تلك الأزمات تعقيداً.
العرب – كقوة قومية – غائبون كلياً عن المشهد العام، وعن التأثير في الأزمات والحلول. والزعم بأن الخلاف على الحلول بين المحورين الدوليين أو المحاور الاقليمية ينحصر في مصير الرئيس الأسد، هو نوع من التمويه والخداع. ذلك ان المصلحة الوطنية لسوريا والقومية للعرب هي في تحقيق حلّ يقوم على دعامتين: وحدة سوريا دولة وأرضاً وشعباً ونظاماً. والاستمرار بقيام نظام مدني وطني جامع يشكّل ثقلاً وازناً في مواجهة الأخطار والأطماع الصهيونية، الى حين الوصول الى حلّ نهائي للصراع يضمن مصلحة العرب القومية.
رؤوف شحوري في اجازة.