Site icon IMLebanon

كل هذا الفساد!

لا نستطيع توجيه الاتهام إلى الفراغ الرئاسي وتحميله مسؤولية كل هذا الفساد، وكل هذا الفجور، وكل هذا الاستهتار، وكل هذا الجوع الى الانتفاع والتكسُّب ولو على حساب صحة الناس وحياتهم، بكل فئاتهم وطبقاتهم ومناطقهم.

كلا، ليس كل هذا التسيُّب بالنسبة إلى ما يأكله اللبنانيون وما يشربونه، ليس وليد ظروف عابرة، أو أنه محصور في زاوية، في ناحية، في دائرة، في نوع من المآكل والحبوب واللحوم والخضر والفاكهة، بل هو مزمن ويعود إلى يوم كان الاستقلال لا يزال طفلاً يدبدب داخل الدار.

وهو نتيجة انحطاط مريع في الأخلاق والنفوس، والعقول، والتنشئة، والبيئة. بل هو ما لا تستطيع المفردات المطابقة أن تستوعبه وتفيه حقّه.

فمن أين للبنانيّين، مثلاً، أن يدروا أو يأخذوا علماً بمن يشاركهم في وقعات الطعام والشراب من الجرذان والقوارض والطيور والذباب والنمل وكل ما هبّ ودبّ في الأرض.

هذه الفضائح المتتالية التي تنكشف الستارة عنها بفضل مثابرة الوزير وائل أبو فاعور وعناده وتصميمه على متابعة كشف الغطاء عما داخل الدولة ودوائرها المخطوفة، هذه الفضائح ليست وليدة ظروف معيَّنة أو عابرة، إنما هي وليدة مناخ فاسد يخيّم فوق هذا البلد وينخره منذ صار كبيراً ثم نال الاستقلال، إلى يومنا هذا…

وإلى غد وما بعده إن لم تنزل إلى الساحة حالاً وسريعاً سياسة الثواب والعقاب، وسيادة القانون فوق جميع الرؤوس، ومن دون تصنيف اللبنانيّين بين ناس بسمنة وناس بزيت. أو أبناء ستّ وأبناء جارية. أو اتباع مرجعيّة لها كلمتها التي لا تُردّ، وأتباع أنفسهم وأخلاقهم وضمائرهم.

كلنا سمعنا وقرأنا ما قاله الوزير الإصلاحي المناضل إثر جولته في مرفأ بيروت، وما سرده عن مشاهداته، وما رواه عما وقعت عليه عيناه من فظائع يشترك فيها الجرذان والطيور بحرّية تامة، وبما لا يمكن كلمات وحدها أن تصفه وتعبّر عنه:

“هناك أماكن في المرفأ شبيهة بوليمة يوميّة للجرذان والقوارض. وغرف الصيانة في الداخل تُعتبر بيئة مثلى لوجود الجرذان. إن اللبناني يتقاسم حبة القمح ولقمة الغذاء مع الجرذان… فهذه بيئة آسنة ومن الضروري محاسبة المسؤولين”.

إلى الكثير والمزيد من المشاهدات التي تقشعرّ لها الأبدان. وهي لم تبدأ مع بداية الفراغ الرئاسي، وإن يكن جشعها قد توسّع نشاطه. إنما هي تعود في بداياتها إلى أزمنة وسنوات، حتى شملت كل ما يأكله المواطن، ويشربه، وكل ما يتعاطاه. وعلى كل هذه الجغرافيا التي لحقت بها اللعنة منذ تأسيس “الوطن الرسالة”.

لبنان في حاجة إلى رئيس نظيف الضمير والكفّ والقلب، يكمل ما بدأه فؤاد شهاب، ويرمّم ما خرّبه الفاسدون والفاسقون.