ما الذي تعنيه الإدارة الأميركية تماماً من قولها أنها «منزعجة» من «ارتفاع عدد» الضحايا المدنيين السوريين الذين يسقطون نتيجة الغارات الروسية؟! هل تريد تذكير موسكو (مثلاً) بوجود تفاهم ما بين الطرفين يُحدد العدد المسموح قتله؟! أم أنها تلفت نظر القيّمين على القرار الروسي على ضرورة التحسّب وعدم الانزلاق إلى وضع مُحرج، أمام الرأي العام الغربي، بما قد يعرّض «العملية السياسية» لإشكالات غير مأنوسة؟! أم ماذا؟!
«الانزعاج» الأميركي هذا قد يكون أوضح فضيحة أخلاقية ترتكبها إدارة أوباما، قبل أن يكون إشارة فظّة وحادة، على مدى ضمور الدور الخارجي لأكبر وأخطر دولة على وجه هذه الأرض!
كأن الولايات المتحدة صارت صنو الأمم المتحدة! جسم ضخم لكن تعوزه الرشاقة! وإمكانات كبيرة لكن من دون قرار بتفعيلها! وفي ذلك، يصير «انزعاج» الأولى من «تزايد» عدد ضحايا القصف الروسي، هو الرديف المقابل لـ»قلق» الثانية إزاء الأزمات والحروب والكوارث التي تسجّل في هذا العالم! علماً (بالمناسبة) أن المنظمة الدولية تبدي، على الأقل، شيئاً من الخفر والتواضع من خلال امتناعها، منذ فترة (لو لاحظتم) حتى عن إشهار «قلق» أمينها العام إزاء النكبة السورية والفظاعات المستحيلة التي تحصل في سياقها. في حين أن إدارة مستر أوباما لا تخجل ولا تتواضع في ادعاءاتها الأخلاقية وتمعن بالتصرف وكأنها جمعية خيرية تُعنى بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان.. والتبليغ عنها!
الفضيحة الأوبامية في سوريا، بالمناسبة، سابقة على التدخل الروسي. وكانت إحدى أبرز محطاتها عند قصف السلطة الأسدية منطقة الغوطة الدمشقية في ذلك الآب من العام 2013، وإيثارها يومها، بلع لسانها وإطفاء محركاتها والتراجع عن «خطوطها الحمر» وإلغاء مشروع «معاقبة» الرئيس السابق الطاغية بشار الأسد على ما ارتكبه، في مقابل صفقة مخزية، كان يمكن الوصول إليها وإلى أفضل منها بكثير، لو قُدّم الدعم النوعي اللازم والكافي للمعارضة المسلحة من أجل الإطباق على بقايا تلك السلطة!
يومها، أظهرت تلك الإدارة، مثلما تُظهر اليوم، أن حقيقة القياس الذي تعتمده إزاء انتهاكات حقوق الإنسان والإجرام اللاحق بالجماعات. وأوضحت بما لا يترك المجال لأي استطراد شكّاك، بأن قتل عشرات الآلاف من «المدنيين» السوريين العزّل، بكل أنواع الأسلحة بما فيها الكيماوي، لا يُعادل عندها طعن «جندي» إسرائيلي واحد! وأن مفهومها الحصري لـ»الإرهاب» إنما يتعلق بأي ضحية مدنية تسقط في دول «العالم الأول»، لكنه لا يسري على أي معطى بشري إنساني مدني ومديني في دول «العالم الثالث»!
«إنزعاج» إدارة أوباما المخزي هذا يتمم قول الرئيس الروسي بوتين قبل أيام، أن عملياته الحربية في سوريا ليست سوى أفضل «تدريب ممكن لقواته».. بدماء السوريين وأرواحهم! والطرفان، في ذلك، إنما يدلاّن على المدى الذي بلغه استسهال الفتك بالشعب السوري! وعلى مدى الانحطاط الذي بلغته سياسات دول عُظمى. وعلى حجم الجريمة المرتكبة في سوريا! وعلى مدى التكالب في استرخاص واستهداف دماء العرب وأرواحهم!
.. هي دلالات نكبة هذا العصر، لكن ذلك، في كل حال، لا يمنع على الإطلاق، من القول بكل وضوح ممكن، أن حذاء طفل سوري واحد ودموع كل أم سورية ثكلى يساويان كل طغاة هذا الزمن!