سَواء نجح المفاوضون الدوليون أو فشلوا في الوصول إلى إتفاق مع طهران هذا الأسبوع في فيينا، فإنّ كلّ السبل تشير إلى أنّ تغييراً في المشهد الإقليمي مقبلٌ لا مَحالة.
في الأساس، لا يَنبغي إستبعاد معاني عدد من التصريحات ودلالة التحرّكات السياسية والديبلوماسية التي تشهدُها أكثر من عاصمة دولية وإقليمية. إذ تُشير كلّها إلى صفقة ما يُحضَّر لها، ستترُك أثراً على عدد من الأزمات المندلعة في أكثر من بلد، خصوصاً في سوريا.
«إستيطان» وزير الخارجية الأميركي جون كيري في باريس ولندن وفيينا، يظهر أنّ الأمور وصلت إلى مرحلة حرجة جداً في تقرير مستقبل تلك المفاوضات. ويَرى البعض في تحرّكه وحرصه على التشاور والتنسيق مع الجانب العربي مُمثلاً بوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الموجود في باريس ايضاً، أنّ عودة الأميركيين إلى الإهتمام بشؤون المنطقة يفرض عليهم التنسيق مجدداً مع حلفائهم التاريخيين.
وتقول أوساط سياسية «إنّ المفاوضين الأميركيين باتوا أكثر تشدّداً في محاولة إلزام طهران ما تتعهّد به في جلسات التفاوض، قبل أن تعود وتتملّص منه تحت أسباب وذرائع عدة، تارةً عبر محاولة ربط تلك المفاوضات بالملفات الإقليمية، وتارةً أخرى عبر فكفكة مساراتها».
وتؤكّد «أنّ الأيام القليلة المقبلة ستضَع حدّاً فاصلاً بين ما يمكن قبوله وما لا يمكن ترحيله، على رغم مستوى التشاؤم المرتفع حتى اللحظة من إمكان إحداث خرق جدّي في تلك المفاوضات».
وتربط تلك الأوساط بين تصريحات كيري وعدد من مسؤولي الديبلوماسية الأميركية، سَواءٌ في واشنطن أو في الخارج، وما يُنتظر أن يناقشه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في أنقرة بدءاً من اليوم، وتصريحات الرئيس باراك أوباما بُعَيد لقائه وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز، عن مستقبل العلاقة مع «داعش» والنظام السوري. وترى «أنّ كلّ الطرق تشير إلى أن لا مخرجَ من الأزمة السورية ما لم يُنحَّ الرئيس بشار الأسد عن المشاركة في مشروع الحلّ طويل المدى في هذا البلد».
إعتراضات تركيا التي تسلّمها المبعوث الرئاسي الأميركي الجنرال جون آلن أمس الأول قبيل توجّه الرئيس رجب طيب اردوغان إلى الجزائر، يبدو أنها محاولة لرسم «حصة» أنقرة في ما يُعَد من مسارات سياسية في الإقليم، في وقت يتبيَن شيئاً فشيئاً أنّ الجميع بات يتقاطع مع فكرة أن لا مكانَ للأسد في أيّ مرحلة مقبلة.
وتضيف تلك الأوساط أنه إذا كانت روسيا تريد أن تستعيد موقعاً مؤثراً من الناحية الإيجابية في ما يمكن أن تشهده سوريا مستقبلاً، فإنّ السبل باتت واضحة، إذا كانت حريصة كما تقول، على نجاح الحرب ضدّ الإرهاب والحفاظ على وحدة الدولة السورية ومؤسّساتها، وعلى رأسها الجيش.
هناك ما يشبه اليقين أيضاً بأنّ طهران نفسها باتت أكثر إقتناعاً بإستحالة الإستثمار في الأسد، فيما تصريحات مسؤوليها هي الأكثر فجاجة في التعبير عن دورها الحاسم في استمرار نظامه.
أمام هذه الوقائع، تقول تلك الأوساط «إنّ مستقبل المعارضة السورية المعتدلة يرتسم على وقع التفاهمات السياسية التي ستنشأ بالنسبة إلى مستقبل النزاع السوري». وكلام رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي أمس الأول عن أنّ الوضع في سوريا معقدٌ جداً، خلافاً للوضع العراقي، يفسّر إلى حدٍّ كبير التردد الذي يحوط بسياسة واشنطن حيال دمشق.
هناك مَن يرى أنّ تقلص «حصة» طهران في العراق يحتاج وقتاً لكي يهضم، فما البال في سوريا التي استثمرت فيها طهران ولا تزال، أموالاً وجهوداً وحضوراً وخسائرَ بشرية، سواءَ مباشرة عبر حرسها الثوري أو عبر التنظيمات التي تقودها وتموّلها، وفي مقدمها «حزب الله»؟