التحالف بين “التيار العوني” و”القوات اللبنانية” الذي كان على الارجح ووفقا لمتابعين سياسيين كثر العامل الاساسي الذي دفع الطرفين بحماسة نحو الانتخابات البلدية على غير ما هي الحال بالنسبة الى الافرقاء الاخرين، شكل نقطة استقطاب سياسية قبيل بدء الانتخابات من اجل رصد تأثيره ومفاعيله. ووفقا لمراقبين سياسيين فان تسييل رصيد هذا التحالف لم يسرِ عمليا سوى على زحلة على رغم انه انتصار يبقى مشوبا بعلامات استفهام نظرا الى الفوز القوي المقابل ازاء لائحة “القوات” و”العونيين” وحزب الكتائب ايضا، والتي اتصفت بانها لائحة الاحزاب فحسب على غير ما هي الحال في سائر المناطق، اذ لا لائحة احزاب مماثلة في اي مكان آخر خصوصا في جونية حيث لائحتان متقابلتان من العائلات وبعض العناصر الحزبية في هذه الجهة او تلك ولكن ليست الاحزاب هي المسيطرة. وما مارسته الاحزاب في بيروت غدا باهظ الكلفة عليها ولو ان العاصمة تقارَب من زاوية تمكن الرئيس سعد الحريري من تأمين الفوز للائحة التي يدعمها ام لا. ذلك ان قراءة اداء الاحزاب المسيحية في الاشرفية ادرج وفقا للمراقبين السياسيين المعنيين من ضمن اداء انقلب سلبيا. فمن جهة ان فوز اللائحة الائتلافية المدعومة من الحريري في بيروت من دون المسيحيين من شأنه تسليط الضوء على واقع ان الحضور او المشاركة المسيحية ثانوية او هي ليست قيمة مضافة في العاصمة. واللعبة التي اعتمدتها الاحزاب تشبه الى حد بعيد ما يجري غالباً في نقابة المحامين حيث للمسيحيين الحضور الاقوى بحيث يعمد كل حزب الى دعم مرشحيه على رغم انه قد يكون له مرشح في اللائحة الاساسية او اكثر. ودعم مرشحين عدة لكل فريق حزبي لدى المسيحيين يؤدي احيانا كثيرة الى اطاحة المقاعد المخصصة او المتعارف عليها للطوائف الاسلامية. وما حصل في الاشرفية هو دعم كل حزب لمجموعة من المرشحين الذين لم يمونوا عليهم من اجل سحب ترشيحهم والانضباط تحت سقف الاتفاق على اللائحة الائتلافية في بيروت. فلو استطاعت الاحزاب، وتحديدا التحالف “القواتي – العوني”، في ايصال مجموعة من مرشحيه الموارنة لربما اتى ذلك على حساب الاعضاء السنّة في اللائحة، وربما ادى ذلك الى ازمة فعلية تهدد المناصفة في العاصمة. لكن عدم نجاح التحالف وسائر الافرقاء الاخرين في انجاح مرشحيهم بدا وكأن السحر انقلب على الساحر، اذ بدلا من ان يظهر هؤلاء قدرتهم الفعلية على التأثير اظهروا هامشية الحضور المسيحي وقدرته من جهة في العاصمة في مقابل توسيع الهوة مع الرئيس الحريري الذي يمكنه القول انه استطاع ان يوصل اللائحة التي دعمها من دون جميل حلفائه المسيحيين او حتى مجموع الافرقاء المسيحيين، في حين ان التحدي تركز في شكل اساسي على قدرة الحريري على ايصال لائحة على رغم الكثير من الصعوبات التي تواجهه. كما ان المنطق نفسه الذي يطالب السنّة ممثَلين بالحريري من اجل دعم وصول رئيس قوي للجمهورية انطلاقا مما يريده التحالف المسيحي، قد تلقى ضربة قوية لان المسيحيين لا يستطيعون مطالبة الاخرين بما لا يحترمونه هم انفسهم. ويخشى ان ينعكس ذلك على واقع الافرقاء المسيحيين في الانتخابات النيابية لا بل على الهامش ايضا. وفي ظل الحديث عن الرئيس القوي فان مصادر سياسية كانت توقفت بقوة عند الكلام الاخير للامين العام لـ” حزب الله” السيد حسن نصرالله حين قال ان لا ضرورة للعائلات الكبرى في البلدات او القرى ان تتولى هي رئاسة البلدية، علما ان المعايير يفترض ان تسري بالسوية نفسها اذا كان يتم تعطيل الرئاسة لمدة سنتين بذريعة ايصال الاقوى من ضمن طائفته.
مقاربة الاوساط السياسية لقدرة التحالف “العوني – القواتي” على تسييل ترجمة التعاون المشترك تقع حتى الان من ضمن التقويم القائل انه تحالف نظري شهد ترجمات محصورة ولم يطبق على نحو واسع. ففي جونية ينقسم هذا التحالف بين لائحتين متقابلتين من العائلات بهامش ليس واسعا او كبيرا لاي منهما. في جبيل لا ترجمة لهذا التحالف. في قضاء زغرتا ثمة من يرى ان الاتفاق بين النائب سليمان فرنجية والسيد ميشال معوض وآخرين اقفل الباب على اي مكان للتحالف “القواتي – العوني”. وكذلك الامر بالنسبة الى الكورة حيث يتعين ان يحسب حساب للحزب السوري القومي الاجتماعي كما لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري.
المجال سيكون متاحا في الايام المقبلة ومع الجولات المرتقبة من الانتخابات البلدية لمعاينة امكان قوة التحالف “القواتي – العوني”، وما اذا كان لكل من الحليفين الجديدين ان يعيد امتلاك القدرة على امساك العصا من منتصفها وخوض معركة انتخابات على نحو تحالفي مشترك، علما ان هذه الانتخابات ليست سياسية ويجب الا تخضع لهذه المعايير اقله في لبنان، كما لا تخضع ايضا لمعيار الديموقراطية التي تخاض عادة على اساس اكثريات حزبية وليست خلطات عائلية. فحتى الان اعترت علاقة “التيار العوني” مع حليفه الاساسي “”حزب الله” شوائب في زحلة في مقابل رجحان تحالفه مع “القوات”، وكذلك الامر بالنسبة الى “القوات” في علاقتها مع الحريري. في حين ان انتخابات بيروت جمعت ايضا الحليفين في موقع ليس جيدا ولا مفيدا لا لموقعهما ولا لتحالفاتهما مع الاخرين في ظل علامات استفهام ليست واضحة حتى وإن ساهمت في تقوية مواقع كل منهما من ضمن قواعدهما لدى المسيحيين اكثر مما يتمتع به كل منهما اصلا.