IMLebanon

«تحالف معراب» يسقط في مسقط رأسه

لم تكن نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان النكسة الأولى للتحالف المستجدّ بين «القوات اللبنانية» و»التيّار الوطني الحرّ»، وإنما الثانية بعد نكسة الاستحقاق الرئاسي. ذلك أن تقديرات الثنائي الماروني بعد إعلان «تفاهم معراب» ذهبت الى حدود توقّع وصول رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الى قصر بعبدا بفعل المناخات التي نجمت عن هذا «التفاهم» والتي اقترنت بتقدير مفاده أن تحالف القطبين المارونيّين يقود «حتماً» الى انتخاب عون رئيساً للجمهورية باعتبارهما يمثلاّن «الأكثرية المسيحية»، وتحديداً 86 بالمئة من المسيحيين.

هذا التقدير قام على رهان عنوانه أن هذه النسبة (المُفترضة) من التمثيل المسيحي تُحرج كل الكتل النيابية من الطوائف الأخرى، وتخلق أمراً واقعاً جديداً يصعب تجاوزه، قبل أن يتبيّن أن هذا التقدير لم يكن في مكانه، وأن قوانين اللعبة الرئاسية في لبنان لم تَقُم مرة بعد الطائف، كما قبله، على هذا الاعتبار. كما تعرّض هذا التقدير لهزّة أخرى مع نشر إحصاءات تتعلّق برشيحي عون والنائب سليمان فرنجية للرئاسة من جهة، ومع حضور 71 نائباً أول جلسة تلت ترشيح فرنجيه، من جهة ثانية.

أما النكسة الثانية المتعلقة بنتائج الانتخابات البلدية فجاءت بأهمية مضاعفة باعتبار أنها دَحَضت التقديرات الإحصائية من جهة، تماماً كما دَحَضت التقديرات «الرئاسية» من جهة ثانية، لتكشف النقاب عن مزاج مسيحي بعيد الى حدّ كبير عن مقتضيات الثنائية المستجدّة، التي لم تستطع إحداث خرق في العائلات من ناحية، كما في الرأي العام المسيحي «المستقل» من ناحية ثانية الذي أظهر أنه يمثّل نسبة عالية جداً من المزاج المسيحي.

وبذلك بدا لأكثر من خبير إحصائي أن الثنائي الماروني الجديد سقط في مسقط رأسه (جبل لبنان) مرتين: الأولى بسبب انفراط التحالف بين الطرفين في عدد كبير من المدن والبلدات والقرى المسيحية بما في ذلك جونيه. والثانية بفعل خسارة هذا الثنائي في عدد كبير من الأماكن أيضاً في وجه قوى مستقلّة أو أحزاب مسيحية خارج هذا الثنائي، مثل حزب الكتائب.

وبرأي الخبراء أن البرهان الأهمّ على هذه النتيجة سيكون نتائج انتخابات رؤساء اتحادات البلديات في الأقضية المسيحية، وهي بعبدا والمتن وكسروان وجبيل والبترون والكورة وزغرتا وبشري وجزين وغيرها، حيث ستُظهر هذه النتائج ما إذا كان هذا الثنائي قادراً على حصد النسبة الأكبر من رؤساء الاتحادات في هذا الأقضية.

ذلك أن نتائج الانتخابات البلدية لم تُظهر سقوط نسبة الـ86 بالمئة وحسب، وإنما أظهرت أن الثنائي الجديد لم يحصد نسبة خمسين بالمئة حتى، وأن كلا الطرفين لا يمكنه تحقيق نتائج باهرة بعيداً عن القوى السياسية المستقلة والرأي العام المسيحي المستقلّ.

في أي حال، وبعيداً عن مسألة الأحجام السياسية ونتائجها، بدا واضحاً أن المسيحيين صوّتوا يوم الأحد الفائت وفقاً لقاعدتين: 

الأولى: بوصف هذا الاستحقاق البلدي «بدلاً عن ضائع» الانتخابات الرئاسية التي حَرَم عدم حصولها المسيحيين من رئيس في قصر بعبدا، الأمر الذي يفسّر نسبة التصويت العالية في الدوائر المسيحية والحماوة التي تميّزت بها تلك الجولة.

والثانية: اعتبار الاستحقاق البلدي «بروفا» للانتخابات النيابية العتيدة التي أرجئت هي الأخرى مرتين، والتي منعت القوى السياسية المسيحية والرأي العام المسيحي المستقل من قول كلمتها أو تحديد أحجامها في زمن تقدمّت فيه لدى المسيحيين أزمة التمثيل على أزمة الدور الذي طالما تميّزوا بلعبه منذ عصر النهضة.

في كل الأحوال تستحقّ نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان قراءة متأنية ليس من أجل ترسيم حدود القوى السياسية أو أحجامها وحسب، وإنما في سبيل فهم وعي سياسي جديد ربّما ولد مؤخراً، وخصوصاً في أوساط الشباب الذين أطلقوا إشارات متعدّدة كان أبرزها في الدائرة الأولى من بيروت، حيث بدا أنهم تجاوزوا أحزابهم الى مكان آخر.