IMLebanon

حلف أقليات أم عملاء «داعش»؟!

رغم الانكشاف الجلي لحقيقة الأزمات التي تعانيها المنطقة وجوهر أسبابها، يستمر البعض في التسويق لمنطق أن المشكلة القائمة في لبنان اليوم تكمن في اعتماد طرف أو أطراف عدة لمقولة حلف الأقليات.

يروّج هؤلاء لدعاية مفادها أن علة وجود «داعش» و«جبهة النصرة» وقطع الرؤوس والذبح والقتل والحقد والدم والوحشية والبربرية… هو أن الجماعات غير السنية تجمعت في حلف سياسي واحد. ما جعل الجماعة السنية تعيش حالة من التناقض، بين وجدانها الأكثري «الأمي» (نسبة إلى الأمة) الخلافي (نسبة إلى الخلافة)، وبين واقع أقلوي مهمّش مزعوم وموهوم. تناقض انبثقت منه ـــ بحسب دعاية هؤلاء ـــ كل التشوهات غير الإنسانية التي نعيش ونشهد. وللتدقيق في هذه المقولة لبنانياً، ولتسمية الأمور بأسمائها، بات معروفاً أن متبني هذا المنطق هم بشكل رئيسي من السياسيين المسيحيين المتناغمين مع فريق الأكثرية السنية المتمثل بالفريق الحريري ـــ السعودي. وهم في تبنيهم لتلك المقولة، يستهدفون خصومهم من المسيحيين، وفي مقدمهم ميشال عون، إضافة إلى ثنائي الشيعية السياسية وخصوصاً حزب الله. فضلاً عن تقنيصهم المتقطع عند الحاجة على فريق الأكثرية الدرزية بزعامة وليد جنبلاط.

مسألة خطيرة تقتضي التحقيق في حيثياتها ومحاولة تفنيد مكوناتها.

فلنبدأ بميشال عون، كظاهرة زعامة أكثرية مسيحية. في تاريخ الرجل أنه شكل لحظة ظهوره على الساحة السياسية اللبنانية بين عامي 1988 و1990، نقطة تحشيد سنية لبنانية، لا بل عربية. وقد تحتاج المسألة إلى الكثير من التأريخ وربما نكء الجراح لاستعادة وقائع تلك الظاهرة. من شعار الشهداء الثلاثة ــــ «عساف وصبحي وخالد» ــــ إلى تركيبة جيشه يومها. ومن مزاج بيروت حينها إلى وقائع لقاءات تونس والتقرير الأول للجنة العربية الشهيرة. أما في اللحظة الراهنة، فلقد رفض ميشال عون رئاسة لا تكون مصدّقة بالصوت السني. منذ أشهر طويلة جاءه من يؤكد له أن نصاب الفوز ممكن على طريقة بشير الجميل. أي بالقطعة والقضم صوتاً صوتاً. رفض ولا يزال. أصر ولا يزال على أنه لن يقبل برئاسة لا يزكيها توافق لبناني، ضمنه السنة. ماذا أفعل بعد انتخابي من دونهم؟ سأل. لا أريد أن أكون رئيساً ينتخب، بل رئيس يحكَم. أما كل ما بين الحقبتين، فتفاهم مع منطق المقاومة سنة 2006، مفتوح ليشمل كل اللبنانيين، لمصلحة كل لبنان.

حزب المقاومة، حزب الله من جهته، المسألة مختلفة عنده في الجذور، لتتطابق في النتيجة. فهو ابن الصحوة الشيعية التي انطلقت في الستينات وتجلت في السبعينات، وتنقلت في مختلف مناطق الأصالة الشيعية، من العراق ولبنان وصولاً إلى إيران. تلك الصحوة التي أدركت منذ اللحظة الأولى أن قيامها واستمرارها مشروطان بأمر واحد. ألا وهو التناغم مع الأكثرية لا العكس. وهو ما تجسّد في التزام تلك الصحوة لقضية الأكثرية المركزية في فلسطين، وابتعادها عن كل ما يفرقها عنها، عرقياً وتنظيمياً. فخفتت فارس التاريخية في جمهورية إيران الإسلامية، وتقدمت ظاهرة الانتماء إلى المؤسسات الإسلامية الدولية، مؤسسات الأكثرية السنية نفسها. وهو الأمر نفسه الذي انسحب على قوى الصحوة الشيعية في مختلف أوطانها. رغم مبدئية مواجهة الاستبداد، بمعزل عن الهوية المذهبية للمستبدين. فلم يكن شيعة العراق مع الاجتياح الأميركي لبغداد، ولم يعترض شيعة لبنان على الأرجحية السنية للطائف الذي فرضته دمشق في بيروت، رغم عمق التقاطع بين الحزب ودمشق في زمن ذلك الطائف.

يبقى وليد جنبلاط، آخر المتهمين تلطيشاً بحلف الأقليات. علماً أن كلامه الأخير في البقاع الغربي، عن إسلام طائفته وجماعته، يأتي في حالة حكمة واضحة، لا في لحظة خوف، يمكن أن يكون لدى الآخرين أكثر مما هو لديه.

حلف أقليات؟ تبدو المسألة وهماً مطلقاً. غير أن توقيت إطلاقها وهوية الجهة التي تقف خلف دسها، يوحيان بما يشبه التجني أو رمي الحرام أو حتى الاستهداف التحريضي. فيما الواقع يشير إلى أن كل الجماعات اللبنانية، وفي مقدمها السنة، في حاجة إلى خطاب فكري سياسي إعلامي، يؤدي إلى عزل الفكر الأصولي الإرهابي، لا إلى استفراد الجماعات اللبنانية وتحريض الإرهابيين ضد بعضها. المطلوب اليوم بلورة منطق يثبت كيف أن «داعش» ومشتقاتها لا علاقة لهم بالسنة، لا منطق يوحي للدواعش وإرهابييهم بما يشبه «نحن معكم، لكن مشكلتكم هي مع حسن نصرالله وميشال عون ووليد جنبلاط». المطلوب مساعدة الجماعة السنية على وأد الفيروس الذي ضُخ في جسدها من خارجها، لا مساعدة الفيروس على التفشي القاتل في الجسم كله وانتقاله إلى باقي الأجسام المتحدة في مجتمع ووطن. المطلوب الآن أن تكون ضد كل ما يخدم «داعش»، لا أن تكون حليفاً موضوعياً لها، أو عميلاً مستتراً، بالنية أو الجهل أو وهم اللعب على التناقضات. حلف أقليات؟ بل هو زعم أقلية حليفة للدواعش لا غير.