لا أحد يصدق أن التحالف الدولي للحرب على الارهاب عاجز عن القضاء على دولة داعش في ثلث العراق وربع سوريا. ولا شيء يوحي أن داعش بدا مذعوراً حيال مشهد غير عادي في مقر الحلف الاطلسي في بروكسيل: اجتماع وزراء الخارجية من ستين بلداً يتقدمهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمراجعة ما فعلته الحملة الجوية على داعش ومناقشة المطلوب فعله على المدى القريب ثم المتوسط ثم البعيد. فالكل استقر على التسليم بأن الحرب على داعش والارهاب طويلة. والكل اعترف بثلاثة أمور: أولها ان الحرب الجوية ليست كافية، ولا بد من قوات برية. وثانيها ان الحرب العسكرية وحدها ليست كافية، ولا بد من العمل على الجبهات السياسية والاقتصادية والأمنية. وثالثها أن الحاجة كبيرة على المدى البعيد الى مواجهة التطرف والتكفير ثقافياً وفكرياً وتربوياً.
أما على المدى القريب، فإن أي نجاح أو فشل يبقى جزئياً عند الحكم على ما فعلته خلال أشهر قليلة حملة عسكرية في اطار استراتيجية بعيدة المدى. وليس من السهل الأخذ بقول الوزير كيري ان الغارات الجوية للتحالف دمرت البنية التحتية لداعش. لكن كلامه على صعوبة أن يقوم داعش بهجمات كبيرة لأن الطيران سيضرب قواته، يعني أن الحد الأقصى للنجاح حتى اليوم هو منع داعش من التوسع نحو مزيد من المدن والقرى ومن التمدد صوب لبنان والأردن، لا إخراجه من المواقع التي استولى عليها.
وليس داخل التحالف من يريد ارسال قوات برية لمحاربة داعش. فالرهان هو على جيش عراقي يحتاج الى تدريب وتسليح بعد التخلص من فضيحة جيش وهمي كشفها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وعلى معارضة سورية معتدلة يتطلب تدريبها وتسليحها سنتين على الأقل. والسؤال ليس عما تفعله طهران والمنظمات الحليفة لها على الأرض في العراق وسوريا، ولا عن التنسيق الايراني – الأميركي الذي ينكره الطرفان بل عن الهدف الاستراتيجي الحقيقي لأميركا وتصورها لخارطة المنطقة.
ذلك ان استراتيجية التحالف هي أولاً وأخيراً استراتيجية أميركا. وأكبر مشكلة في هذه الاستراتيجية ان ادارتها ب الماكرو وحتى بالميكرو محصورة بالرئيس المتردد باراك اوباما ومساعديه من الهواة في البيت الأبيض، حيث لا رأي للخبرة في وزارتي الخارجية والدفاع، ولا أولوية الا لصفقة مع ايران بعد طي الملف النووي. وما يتحكم بالواقع هو معادلة صعبة يعرفها الجميع، وإن لم يعترف بها البعض من مدمني المبالغات: لا مجال لقيام تحالف ضد داعش من دون أميركا، ولا فرصة مع أميركا وقيادتها للقضاء على داعش وتحقيق النجاح الذي تراهن عليه الشعوب لا الانظمة.