ماذا بعد انطفاء الأضواء في وزارة الخارجية الأميركية على مؤتمر اليوم الواحد للحرب على الارهاب؟ ما هي أدوار الدول الأعضاء في تحالف من ٦٨ دولة بقيادة أميركا؟ لماذا تضطر أميركا الى الاعتماد على فريق من الكرد لمحاربة داعش ومحاصرة عاصمته في الرقة تمهيدا لاقتحامها من دون أن تجد دولة واحدة جاهزة للدور؟ وهل انتهى ما سمّاه البروفسور ستيفن والت أستاذ القضايا الدولية في مدرسة كينيدي للحكم التابعة لجامعة هارفارد صراع الأولويات بين الدول والقوى التي تريد محاربة داعش بحيث صار الطريق مفتوحا الى النهاية؟
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أبلغ نظراءه في المؤتمر ان هزيمة داعش هي الهدف رقم واحد لأميركا في المنطقة. والبنتاغون أعلن ان تنظيمي داعش والقاعدة خسرا ٦٥% من الأرض التي استوليا عليها في العراق وسوريا. لكن النجاحات العسكرية والأمنية هي جزء من محاربة الارهاب، لا كل الحرب. فالحرب على القاعدة بدأت قبل ربع قرن بغزو افغانستان واسقاط حكم الطالبان واخراج القاعدة من قواعدها، من دون أن ينتهي التنظيم الارهابي. والحرب على داعش دخلت عامها الثالث، وهي مرشحة لأن تطول، ولو جرى تحرير الموصل والرقة.
ذلك ان الارهاب ليس غاية في حدّ ذاتها بل جزء من استراتيجية حرب واسعة. كما يقول البروفسور دانيال بايمان مؤلف كتاب القاعدة، الدولة الاسلامية، والحركة الجهادية الكونية. والدراسات الجدّية في أميركا وبينها دراسة للبروفسورين هال براندس وبيتر فيفر نشرتها مجلة فورين بوليسي تتحدث عن الحاجة الى استراتيجيتين: واحدة للقضاء على داعش. وأخرى لمرحلة ما بعد داعش. وليس لدى ادارة الرئيس دونالد ترامب حتى الآن استراتيجية كاملة للقضاء على داعش. وهي تعلن سلفا بلسان تيلرسون ان بناء الأمم ليس شغلها.
ولا مجال لخداع النفس في محاربة الارهاب. فالحرب على داعش في العراق تدور فوق رمال سياسية متحركة حسب جنرال أميركي. وتدار في قلب حرب سوريا وغياب أية تسوية سياسية. والمنطقة غارقة في صراع مذهبي سني – شيعي. والجبهة الفكرية لمحاربة التكفير الارهابي مملوءة بالثغرات والنواقص. وهذه وصفة لبقاء داعش ولو خسر الأرض. لا بل وصفة لظهور تنظيمات أشدّ تطرّفا منه تمارس أفظع العمليات الارهابية في المنطقة وأوروبا وأميركا. ألم يصل ارهاب داعش مؤخرا الى بوابة مجلس العموم البريطاني؟ ألم تدفع المصالح الانتخابية للرئيس رجب طيب أردوغان حليف واشنطن وموسكو في محاربة داعش الى تهديد أوروبا التي تمنع الاجتماعات الانتخابية للأتراك على أراضيها بأن أي أوروبي لن يتمكن من السير في الشوارع في أي جزء من العالم؟
من الوهم في مثل هذه الحال الحديث عن مرحلة ما بعد داعش.