IMLebanon

التحالفات بدأت بعيدا عن الاضواء

صحيح أنّ مجلس الوزراء سيعقد جلسة له يوم غد الأربعاء في السراي الحكومي، لكنّ الأصحّ أنّ قانون الانتخابات غير مُدرج على جدول الأعمال، وبالتالي الأنظار مُوجّهة إلى مكان آخر، وتحديداً إلى الاجتماعات المكّوكيّة التي يُشارك فيها كل من وزير الخارجيّة جبران باسيل والنائب إبراهيم كنعان عن «التيّار الوطني الحُرّ» والنائب جورج عدوان عن حزب «القوّات اللبنانيّة» والوزير علي حسن خليل عن «حركة أمل»، ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري ووزير الثقافة غطاس خوري عن «تيّار المُستقبل»، إضافة إلى الدور الكبير والمباشر الذي يؤديه رئيس الحكومة سعد الحريري، وكذلك رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بالتنسيق مع «حزب الله». وصحيح أنّ القوى السياسيّة الرئيسة توافقت على إعتماد مبدأ التصويت النسبي الكامل في الانتخابات المُقبلة، وكذلك على تقسيم لبنان إلى 15 دائرة إنتخابيّة، وعلى إعتماد «الصوت التفضيلي» ضُمن القضاء وليس ضمن الدائرة الانتخابيّة ومن دون أيّ قيد طائفي، لكنّ الأصحّ أنّ التفاصيل الباقية والتي يجري العمل على حلّها ليست تقنيّة مئة في المئة، وإن كانت تبدو كذلك في ظاهرها!

وفي هذا السياق، لفت مصدر سياسي يتمتّع بخبرة في التشريع وباطلاع واسع في القوانين الانتخابيّة أنّ شكل التفاصيل التي يجري العمل على حلّها حالياً هي تقنيّة بحت من حيث الشكل، لكنّها في الواقع تُخفي خلفيّات سياسيّة مهمّة جدًا على نتائج الانتخابات من حيث المضمون. فهذه التفاصيل التقنيّة والمُرتبطة بكيفيّة إحتساب أصوات الناخبين، وبتأثير الصوت التفضيلي على النتيجة النهائية، وبكيفيّة توزيع المقاعد النيابية على اللوائح الفائزة في كل دائرة إنتخابيّة، لها آثار حاسمة على نتائج الانتخابات النيابيّة المُقبلة ككل، وبالتالي على حجم الكتل النيابيّة التي ستتمخّض عنها. وأشار إلى أنّ القانون النسبي يحفظ للأقليات حقوقها، حيث يُتيح لها التمثّل في البرلمان، بدلاً من طغيان أصوات الأكثريّة على أصوات الأقليّة في القوانين التي تعتمد صيغة التصويت الأكثري، لكنّه في الوقت عينه قد يظلم بعض الأكثريّات إذا كان ترتيب مُرشّحيها في موقع متأخّر ضمن اللائحة المُرشّحة. وأوضح من جهة أخرى أنّه كلّما إرتفع الحد الأدنى المطلوب من أصوات الناخبين لفوز أيّ مُرشّح، كلّما ظُلمت الشخصيّات المُستقلّة والأحزاب الصغيرة، بينما كلّما انخفض الحد الأدنى المطلوب من أصوات الناخبين لفوز أيّ مُرشّح، كلّما كان الأمر في صالح هؤلاء.

وأوضح أنّه بعيدًا عن تعقيدات التعابير التقنية مثل «الحاصل الإنتخابي» و«العتبة» و«مجموع الكسر» وغيرها، فإنّه في حال كانت ثلاث لوائح إنتخابيّة تتنافس على 10 مقاعد نيابية ضُمن دائرة مُحدّدة، ونالت اللائحة الأولى 60 % من الأصوات، واللائحة الثانية 30 %، واللائحة الثالثة 10 %، تحصل الأولى على 6 مقاعد والثانية على 3 مقاعد والثالثة على مقعد واحد. وتابع المصدر نفسه قائلاً إنّه في لبنان حتى أقوى الأحزاب السياسيّة يُواجه مُنافسة ومُعارضة قويّة، تتراوح بين 15 و49 % في أغلبيّة الدوائر الإنتخابيّة، وهذا يعني أنّ مُطلق أي لائحة ستتعرّض للخرق من لوائح منافسة، وهنا تكمن مُعضلة ترتيب أسماء المُرشّحين في اللوائح المُتنافسة، لأنّه في المثل المذكور أعلاه سيفوز أوّل 6 أسماء من اللائحة الأولى وأوّل 3 أسماء من اللائحة الثانية وأوّل إسم في اللائحة الثالثة. وإذ توقّع أن يتسبّب هذا الأمر بمشاكل بين المُتنافسين ضمن اللائحة نفسها، وعدم ثقة مُتبادل لأنّ المرشّحين في لبنان لا ينتمون إلى حزب واحد ضمن اللائحة الواحدة كما في كثير من دول العالم التي تعتمد التصويت النسبي، لفت إلى أنّ «الصوت التفضيلي» سيزيد تعقيد الأمور لأنّه سيؤدّي إلى معركة حتى بين المُرشّحين على نفس اللائحة! وأشار المصدر أيضاً إلى أنّ من ضُمن مشاكل أنظمة الإنتخاب النسبي كيفيّة إحتساب الشطور والكسر، وكيفيّة إعادة توزيع الأصوات الباقية بعد حسم «الحاصل الإنتخابي»، أي مثلاً إذا نالت لائحة معيّنة 60000 صوت، وكان «الحاصل الإنتخابي» للفوز بأحد المقعد هو 25000 صوت، تفوز هذه اللائحة بمقعدين، لكن تبقى أصوات نحو 10000 ناخب وكأنّها لم تكن إلا في حال اللجوء إلى أساليب متبعة في الخارج، تعيد جدولة كل الأصوات الباقية وتجمعها من جــديد وتُعطي مزيداً من المقاعد على أساسها.

وشدّد المصدر السياسي الخبير في الشؤون الإنتخابيّة نفسه على أنّه لكل هذه الأسباب المذكورة أعلاه ولغيرها الكثير أيضًا، إنّ جزءاً كبيرا من الإتصالات الحالية على هامش قانون الإنتخابات يتناول التحالفات السياسيّة المُرتقبة في الدورة الإنتخابيّة المقبلة، وكيفيّة تركيب اللوائح، وكيفية إحتساب الأصوات بشكل لا يظلم أي حزب سياسي لصالح حزب آخر ضمن التحالف نفسه. وذكّر المصدر السياسي نفسه بأنّها المرّة الأولى التي ينتقل فيها لبنان إلى التصويت النسبي، بعد عقود من الإنتخابات وفق التصويت الأكثري، وبالتالي إنّ مختلف القوى السياسيّة تُقارب الموضوع بحذر، وهي تعوّل على الخبراء لدى كل منها لنسج أفضل صيغة مُمكنة ضمن التصويت النسبي، حتى لا تتفاجأ بالنتائج.

وأكّد المصدر عينه أنّ مسألة التحالفات في الإنتخابات المُقبلة بدأت بعيدًا عن الأضواء، مُشيراً إلى أنّ للأحزاب الكبرى نقطّة تفوّق على الأحزاب الصُغرى وعلى المُرشّحين المُستقلّين، لأنّ الماكينات الحزبيّة المُتخصّصة التابعة لها، قادرة على إعداد دراسات مُسبقة وتقديريّة للمعركة الإنتخابيّة وفق النسبيّة، وعلى توزيع المرشّحين بناء على خلاصات هذه الدراسات ونتائجها، بعكس الأحزاب الصغيرة والشخصيّات المُستقلّة التي عليها أوّلاً تركيب لوائح مُكتملة وقادرة على المُنافسة، وضمان إلتزام الناخبين بها. وختم كلامه بالقول إنّ إتصالات كثيفة تجري حاليًا بين «التيّار الوطني الحُرّ» و«القوات اللبنانيّة»، وبين كل من «الثنائي المسيحي» و«تيّار المُستقبل»، وبين «الكتائب اللبنانيّة» و«الوطنيّين الأحرار»، وبين «حزب الله» و«حركة أمل»، وبين «تيّار المردة» و«القومي السوري»، إلخ. للبحث في الخطوط العريضة للتحالفات المُقبلة، وفي سبسل تركيب لوائح قادرة على المنافسة وعلى حصد أفضل النتائج، بشرط أن لا يكون فوز أحد الأطراف على حساب الأطراف الأخرى ضمن اللائحة نفسها.