Site icon IMLebanon

تحالفات في دائرة الشبهات!      

 

مصيبة لبنان، انه منكوب ببعض من جاءت بهم صدفة سياسية او ضربة حظ رئاسية، الى موقع متقدّم في السلطة، وعلى الحلبة السياسية.

هذه الفئة من السياسيين، «طَرشت» نفسها بألوان النزاهة والشفافية والشراكة والعدالة والوطنية، وعناوين إصلاح وتغيير وحرص على البلد وعلى المال العام، فإذا بالقانون الانتخابي الجديد يأتي ويقطع هذا الحبل الطويل من الصفات الحسنة، ويشكل الكاشف للونها الحقيقي، وينزع ورقة التوت عمّا يتحكم بهذه الفئة من انتهازية عمياء وطائفية ومذهبية وخلفية غرائزية ظهرت بأقبح صورها في الزمن الانتخابي الراهن.

في الاداء، قدمت هذه الفئة نفسها في بيئتها، على انها الأعلى شأناً، والاغلى قيمة، والاوسع حضوراً وجماهيرية، وكل الآخرين هم الادنى والاصغر. ومن هذا الاعتقاد بررت لنفسها ان تحاول اجتياح بيئتها اولا، والاستئثار بتمثيلها، واخراج كل الآخرين من اللعبة السياسية ومحو تاريخهم من اجل مقعد نيابي، وحتى لو ادى ذلك الى شرذمة هذه البيئة، وزرع الانقسام والشقاق فيها.

لا تنفي هذه الفئة سعيها الى تشكيل اكثرية نيابية كبرى في المجلس النيابي الجديد تمكنها من التحكم اكثر في الزمن السياسي المقبل، وهي في الوقت نفسه، لا تستطيع ان توهم، حتى نفسها، بأنها يمكن ان تصل الى هذه الاكثرية بعضلاتها وحدها، ولتحقيق هذا الهدف قررت ان تقاتل بعضلات الآخرين في كل الدوائر التي قررت خوض الانتخابات فيها.

ولا مانع من التحالف حتى مع الشيطان، ومن هذا «المبدأ الجديد»، أفتت لنفسها ان تنسج تحالفات خارج قناعات وتوجهات الجمهور الذي تأثر بشعاراتها ومبادئها في الزمن الماضي. هذه الشعارات والمبادئ، التي أطاح بها التحالف مثلا مع جهات محاطة بشبهات «داعشية»، ومع بيوت اموال مجموعة من جيوب الناس ودهاليز الصفقات والارتكابات، مع اصحاب سوابق في التهريب والتزوير وغير ذلك من الموبقات، وبعضهم ما يزال حتى الآن في دائرة الشبهات القضائية!

هنا ينبري السؤال التالي: أي حصاد نيابي سينتجه هذا الزرع؟ واما في الخطاب، فكشفت هذه الفئة من السياسيين وعلى الضفتين الاسلامية والمسيحية، عن واقع لبناني مهترئ، قائم على انحطاط في الخطاب الانتخابي، وانحطاط في الخطاب السياسي، تديرهما عقلية غرائزية، اعتادت منذ العام 2005 وحتى اليوم، أن تخوض معاركها السياسية والانتخابية في ملعب المذاهب والطوائف والغرائز والشحن والتحريض، باعتبار ذلك هو الطريق الاسهل لتحفيز الناس للذهاب الى صناديق الاقتراع وليدلوا بأصواتهم كالاغنام. وليس طريق البرامج الانتخابية، التي يفترض ان يتفاعل معها الناس، ويختاروا من يمثّلهم على أساسها.

هذه العقلية، هزمت القانون الانتخابي الجديد، قبل ان تُخاض تجربة الانتخابات الاولى على اساسه في ايار المقبل، وبدل ان يتيح القانون فرصة الجمع بين كل اللبنانيين، بمعنى انّ الكل بحاجة الى الكل، تمّ تفريغه من بعده التمثيلي الذي اريد له ان يكون عادلاً او ما يشبه ذلك، وجعله اداء هذه العقلية جسراً الى كانتونات ومربّعات وتوجهات طائفية ومذهبية لا بل رَسّخها. وغَيّب الخطاب الوطني وصارت الحسابات الضيقة هي الفضيلة، واما الحسابات الوطنية فصارت هي الرذيلة بعينها.

هنا ينبري السؤال: ايّ حصاد سينتجه الزرع الاستئثاري وحذف الآخرين؟ وايّ حال ستكون عليه البيئة المستأثر بها؟ وايّ حصاد سينتج عن الزرع الطائفي والمذهبي والتحريضي والغرائزي وخصوصاً في مرحلة ما بعد الانتخابات؟

الجواب البديهي انّ هذه العقلية، بأدائها وخطابها، تقود البلد نحو ازمة كبرى بعد الانتخابات، واصحابها شركاء في لعبة تدمير البلد. والانكى من ذلك انّ بعض هؤلاء يقفزون فوق الجراح الطائفية والمذهبية، التي تعمّقت في صفوف الناس، ويقولون انّ ما بعد الانتخابات هو يوم جديد، وزمن جديد، ومرحلة جديدة، يمكن خلالها لملمة كل الشظايا التي اصابت الجسم اللبناني، وكل طرف يعيد ترتيب خطابه السياسي وتكييفه مع الواقع الجديد، وبالتالي تستمر الحياة.

قد يصدق بعض الناس هذا الكلام، بأنّ ما هُدم في فترة التحضير للانتخابات يمكن إعادة بنائه. ولكن في المقابل يشعر آخرون بأنّ هذا الكلام هو استغباء للناس، خصوصاً انّ قلقهم كبير جداً ويعبّرون عنه بسؤال: هل انّ ما يحصل حالياً بالجو التحريضي والمذهبي والطائفي، هو هدم فعليّ للهيكل ولم يعد ينفع معه لا ترميم ولا تلحيم، وبالتالي ايّ صورة للبنان بعد 6 أيار 2018؟