يقول أحد العاملين الأساسيين على الخط الانتخابي، إنّه لا يستطيع أن يتفاءل في إمكان توصُّلِ القوى السياسية المختلفة إلى التوافق على قانون انتخابي. وزاد منسوب تشاؤمِه في ما وصَفه بالردّ غير المباشر من رئيس الجمهورية ميشال عون على ما طرَحه السيّد حسن نصرالله لجهة رفضِ التصويت في مجلس الوزراء على القانون الانتخابي، حيث أكّد عون التمسّك بالمادة 65 من الدستور التي تقول بـ«التصويت إذا تعذّرَ التوافق»، واصِلاً إلى خلاصة «لأنّني أقسمتُ اليمين على احترام الدستور فلا بدّ مِن التقيّد بنصوصه، علماً أنّ التصويت عملٌ دستوري وهو أفضل بكثير من الفراغ».
معنى ذلك، أنّ خريطة طريق الخروج من المأزق الانتخابي التي طرَحها السيّد نصرالله، قابلَتها بالأمس خريطة طريق، ولكن في الاتجاه الآخر، وما بين الخريطتين، تصبح إمكانية حصول تغيّرٍ في المشهد شديدةَ الصعوبة، وعلى ما يقول أحد الوزراء إنه أمام ضغط عاملِ الوقت يجب رصدُ كلِّ يوم بيومِه، وكلّ يوم له ثمن، خصوصاً وأنّ صندوق المفاجآت مفتوح على مصراعيه وعلى كلّ الخيارات والاحتمالات».
الواضح تِبعاً لمواقف وتوجّهات القوى السياسية أنّ الأمور في منتهى الصعوبة، والأفق مقفلٌ بشكل كامل. والسؤال الذي يفرض نفسَه في هذا الجو؛ إلى أين من هنا؟
النتيجة الطبيعية والحتمية للعناد والتشبُّث بالمواقف والتصلّب فيها، وللانسداد الراهن للأفق الانتخابي ولانقطاع كلّ المعابر المؤدّية إلى قانون متوافَق عليه من كلّ القوى والمكوّنات هي الاصطدام بالحائط. بالتأكيد ليس في الإمكان وصفُ حالِ البلد بعد الاصطدام، ولكن المؤكّد أكثر في هذه الحالة هو أنّ الكلّ سيدفعون الثمن، إلّا أنّ هناك من سيَدفع أكثرَ من كلّ الآخرين بكثير.
تؤكّد تلك الشخصية أنّه بناءً على نقاشات الغرفِ المغلقة وما يُقال فيها من «كلام صريح وواضح ومباشر» بين من يُفترض أنّهم «حلفاء»، فإنّ الأمور ذاهبة نحو الفراغ بعد 20 حزيران. ومن وحيِ تلك النقاشات تورِد الشخصية المذكورة الملاحظات التالية:
أولاً، هناك استسهال حقيقي وواضح للفراغ. ويتمّ التنظير له من زواية سطحية على أنه أمر عادي يمكن تدارُكه بالدستور، مع إغفال الخلاف العميق حوله، والذي دفعَ قوى سياسية وازنة سياسية وروحية، إلى اعتبار الفراغ بعد 20 حزيران بأنه فراغ قاتل لكلّ الدولة.
ثانياً، ثمّة نصائح أسدِيَت بتداركِ السقوط في فخّ الفراغ، لأنّ الإفلات من هذا الفخ لن يكون بالأمر السهل بعد السقوط.
ثالثاً، لا يمكن أن نسير بتصويت على قانون انتخابي في مجلس الوزراء لأنّ نتائجه في منتهى السلبية.
رابعاً، لا يمكن أن نسير بقانون انتخابي لا توافق عليه كلّ المكوّنات، حتى ولو بقي طرف واحد ضدّه.
خامساً، لا تَمايُز على الإطلاق في مواقف رئيس الجمهورية عن موقف الوزير جبران باسيل، وإن استعرَضنا مسار الملف الانتخابي من بدايته حتى الآن، سيبدو واضحاً أنّ ما يقوله عون يقوله باسيل ويطبّقه.
وربطاً بذلك فإنّ موقف رئيس الجمهورية نهائيّ ولا يناور في هذا الأمر، خيارُه واضح هو رفضُ التمديد، والتصويت على القانون في مجلس الوزراء إذا أمكنَ ذلك، وإنْ تَعذّرَ فلتنتهِ ولاية المجلس في 20 حزيران، وبَعدها الدستور يَرعى مرحلة الفراغ، التي توجب إجراءَ انتخابات خلال ثلاثة أشهر على قانون الستين. هو قال هذا الكلام صراحةً أمام وفد «حزب الله» وكذلك سمعَ رئيس الحكومة سعد الحريري كلاماً بهذا المعنى مِن قبَل رئيس الجمهورية.
سادساً، خبِرنا في رئيس الجمهورية، أنّه كلّ خطوة يُقدم عليها تكون مدروسة، وكذلك كلّ كلمة يقولها وكلّ موقف يتّخذه، من هنا مِن اللحظة الأولى التي قال فيها «إذا خُيِّرتُ بين الستين والفراغ أختار الفراغ»، تَيَقّنا من أنّ هذا هو موقفُه النهائي. حتى إنّه عندما ارتفعَت الصرخة التحذيرية من هذا الفراغ، لم يُبدّل موقفَه، بل فسَّر الفراغ ولم يوافق على أنّه فراغ تدميري للبلد، بل قال إنّه فراغ ترعاه آليةٌ دستورية. موحياً بأنّه فراغ مؤقّت يتمّ ملؤُه بطريقة دستورية أي انتخابات خلال 3 أشهر على أساس الستين.
إذاً، موقف الرئيس معروف، وكذلك مواقف القوى الأخرى، وبالتالي لا قاسم مشتركاً بينهم، وأمام هذا الوضع تقول الشخصية السياسية، قد يكون المخرج المطلوب بأن يتلقّفَ رئيس الجمهورية الكرة، ومن موقعه كـ»حكم» يَرميها على شكل مبادرة إنقاذية للبلد. وهذا المخرج ضعيف، إذ ليس سرّاً أنّ رئيس الجمهورية في القانون الانتخابي ليس حكماً بل هو طرف.
وثمّة من يكشف أنّ «نصيحة حليف» أسدِيَت مباشرةً منذ فترة «مفادُها «أن يبادر رئيس الجمهورية في إحدى جلسات مجلس الوزراء إلى مخاطبة الوزراء بالقول، أوقِفوا كلَّ الأبحاث، أنا مع القانون الانتخابي الفلاني – مع النسبية مثلاً – واجلِسوا وناقِشوا أيُّ نسبية هي الأنسب للبلد، فيكون بذلك ليس منقذاً للملف الانتخابي فقط، بل منقذ للبلد».
تلك النصيحة ارتكزَت إلى مشهدٍ أسوَد للبلد بعد 20 حزيران؛ يتدرّج «من انتهاء ولاية المجلس في 20، ثمّ فراغ بدءاً من 21، يعني البلد سيُشلّ وربّما أكثر من الشلل طيلة فترة الفراغ، الحكومة حتماً تصريف أعمال، رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يتّخذ قرارات، وإنْ دعا الحكومة إلى إجراء انتخابات خلال 3 أشهر على أساس القانون النافذ فدعوتُه هذه كيف سيقنِع الناس بها، خصوصاً أنّه امتنَع عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أساس هذا القانون، أكثر من ذلك قد يَعتبر فريق أو فرَقاء سياسيون هذه الدعوة من قبَل الرئيس على أنّها غير ملزمة.
ولنفرض أن استُجيبَ لطلبه وجَرت الانتخابات على أساس الستين، وجاءت النتائج بالخريطة النيابية والسياسية نفسِها، فستكون النتيجة ساعتئذٍ أنّ التيار الوطني الحر سيَخسر كلَّ ما طمحَ إلى تحقيقه في قانون غير الستين، وستخسر معه القوات اللبنانية كلّ ما طمحَت، وكذلك لن يربح تيار المستقبل في الستين ما كان يَربحه قبل بروزِ الحالات المنافسه له في مناطقه.
أي إنّ هذه القوى ستخرج متضرّرةً معنوياً حتى ولو عادت إلى تحصيل حجمها النيابي الحالي. وبالتالي العهدُ الرئاسي الذي ربَط تقليعتَه الجدّية بانتخابات نيابية على أساس قانون جديد يتوافق عليه اللبنانيون، فإنّه بالذهاب إلى الفراغ ومن ثمّ العودة إلى الستين يعني إطفاءَ محرّكات العهد وفرملة «التقليعة» إن لم يكن أكثرَ من ذلك.
في ختام هذا المشهد، تقول الشخصية العاملة على الخط الانتخابي إنه لم يؤخَذ بهذه النصيحة، لكنّها ما زالت صالحة، خصوصاً أنّ أكثر من يحتاج إلى انتخابات نيابية على أساس قانون انتخابي توافقي، هو رئيس الجمهورية، إذ إنّ هناك فَرقاً كبيراً بين رئيس بمؤسسات قائمة وعاملة ومنتجة، وبين رئيس بلا مؤسسات، وهذه هي النتيجة الحتمية للفراغ إنْ سَقط البلد فيه.