عندما يتعلق الحديث بترقية العميد شامل روكز إلى رتبة لواء، تتقاذف قوى سياسية الموقف السلبي منها ويحاذر كل طرف إجمالاً تحمل التبعات بمفرده ويزين المعطيات مراراً. “تيار المستقبل” مثالاً: رئيس كتلته النيابية الرئيس فؤاد السنيورة يجهر بتحفظه عن هذه الترقية ذات الدوافع السياسية والتي تؤثر سلباً في المؤسسة العسكرية، من دون الذهاب إلى إعلان الرفض بالمطلق، فيما المعلومات المستقاة من مصادر رئيس “التيار” الرئيس سعد الحريري توحي خياره القبول إذا كان ثمناً لعودة الحكومة إلى العمل وتوفير مناخات استقرار، وإن بالحد الأدنى للبلاد، إلى أن تعبر الغيمة السوداء فوق المنطقة.
في النتيجة يبقى الموقف النهائي لـ”المستقبل”بين أخذ ورد ولا حسم حتى اليوم. يأخذ الحريري في الاعتبار عند مقاربة وضع النائب العماد ميشال عون موقف حليفه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي لا يعلن رفضاً لترقية العميد روكز مراعاةً لورقة “إعلان النيات” الجامعة بينه وبين “الجنرال”، وأيضاً لتطبيقات هذه الورقة في مستوى القواعد “القواتية” و”العونية”، وآخر تجلياتها لقاء الكوادر النقابية في الجانبين بدعوة من “القوات” في برمانا اليوم. يحرص الحريري على عدم إعطاء عون ذريعة للترويج أن الزعيم اللبناني السنّي الأبرز يعترض طريق الزعيم المسيحي الأبرز و”الأقوى” وطموحاته، سواء في الرئاسة أو في قيادة الجيش، بينما يسايره حليفه المسيحي الأقوى ومرشح قوى 14 آذار الرئاسي. في المقابل يكتفي جعجع في العلن بالدعوة إلى بقاء السياسيين بعيدين من التدخل في المؤسسة العسكرية، ويمكنه الإفادة من عدم مشاركة حزبه في الحكومة للنأي بنفسه عن هذه المعمعة. لا يلغي ذلك بالطبع أن المسألة سياسية بامتياز وليس القرار في شأنها حكومياً. فللموقف ثقله في ظرف كهذا من داخل الحكومة أو من خارجها.
يختلف الأمر عند حزب الكتائب الناظر إلى الترقية من أربع زوايا: أولاها الحرص على وحدة الجيش وقوة قيادته وتقديم الدعم إليها في ما تراه مناسباً. ثانيتها عدم الرضوخ لمطالب عون خصوصاً إذا كان لا يزال غير مستعد لإعطاء أي ثمن سياسي في المقابل مثل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية. ثالثتها عدم إفادة رئيس حزب “القوات” من هذا الوضع لتعزيز صورة الحريص على وحدة المسيحيين والمقبول بالتالي عند الجمهور العوني الهوى، خلافاً للكتائب بدليل موقفه من ترقية العميد روكز. غني عن الذكر أن المسؤولين الحزبيين في الصيفي لم يهضموا كلام جعجع الذي حمّل فيه تبعة أزمة النفايات والفساد لمن شاركوا في الحكومة. رأوا فيه ظلماً من حليف وتحاملاً وتجاهلاً لوقائع. جعجع في المقابل لم تهضم أوساطه كلام رئيس حزب الكتائب على انعدام فرص وصول مرشح من قوى 14 آذار أو 8 آذار إلى رئاسة الجمهورية.
الزاوية الرابعة التي ينظر منها حزب الكتائب إلى موضوع الترقية هي ضرورة إفهام كل من يعنيهم الأمر أنه ليس “شرابة خرج” يسهل البحث والاتفاق على حلول بتغييبه ومن دون تشاور معه حتى، خصوصاً بعد اجتماع القيادات السياسية السداسي الذي انعقد في مكتب رئيس مجلس النواب نبيه بري إثر انتهاء جلسة الحوار الثلثاء الماضي، والذي لم يدعُ إليه بري رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، حاصراً تمثيل المسيحيين بالعماد عون. هذه “الدعسة الناقصة” لبري، إن جاز التعبير، جعلت إمرار قرار في مجلس الوزراء بخصوص العميد روكز أصعب من السابق، وإن واصل الوزير وائل أبو فاعور زياراته المكوكية والتوسطية بين “بيت الوسط” والرابية بتوجيه من رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط حتى اليوم الأخير من مدة خدمة روكز المسرعة إلى نهايتها منتصف تشرين الأول المقبل. فهناك ثمانية وزراء على الأقل يشكلون “اللقاء التشاوري” برعاية الرئيس ميشال سليمان سوف يعارضون حتماً قرار الترقية في مجلس الوزراء.
يعني كل ذلك أن الحل الوسط المُتاح والممكن- إذا قبل به الرئيس سليمان والعماد قهوجي – هو إصدار وزير الدفاع الوطني سمير مقبل قراراً بتأجيل تسريح العميد روكز سنة، إذا سبق القرار موعد انتهاء خدمته بعد أسبوعين، فيكرّر سابقة مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، أو إصداره قراراً باستدعاء روكز من الاحتياط بعد حلول موعد انتهاء خدمته، فيكرّر سابقة مع مدير مديرية المخابرات العميد إدمون فاضل. في الحالين سيستخدم العميد روكز حقه القانوني في توجيه كتاب إلى القيادة بطلب تسريحه وفق معلومات تتقاطع عندها مصادر “التيار الوطني الحر” وغيره.
وفي الأساس لا يتطلع الجنرال عون إلى إبقاء العميد روكز في المؤسسة العسكرية لمجرد البقاء، بل أن يُرقى إلى الرتبة الأعلى لضابط مسيحي بعد قائد الجيش الذي تنتهي ولايته الممددة قبل انتهاء خدمة روكز في حال تمديدها بشهر، وفي حال انتخاب عون أو غيره رئيساً يكون قائد المغاوير جاهزاً داخل المؤسسة للمنصب الأعلى. أما ذهاب روكز إلى بيته بعد منتصف تشرين فيعني لعون وحلفائه عطلة أخرى قسرية للحكومة طويلة جداً هذه المرة، وبين النفايات على أنواعها.