IMLebanon

الفرصة تكاد تضيع لتطوير غاز لبنان ونفطه

منذ عام 2000 والمؤشرات الجيولوجية تشير الى ترجيح اكتشاف كميات ملحوظة من الغاز والنفط في المياه الاقليمية اللبنانية.

الإسرائيليون باشروا البحث عن موارد الغاز والنفط منذ عام 2008 وتوصلوا حتى تاريخه الى اكتشاف ثلاثة حقول، منها حقل غاز ضخم سمي Leviathan أي العملاق، وحقل متداخل امتداده مع المياه اللبنانية هو حقل Tamar، وشرع الإسرائيليون في الانتاج من هذا الحقل، وفي 2014 يحققون الاكتفاء الذاتي في استعمال الغاز لتوليد الكهرباء.

خلال عام 2013، وبعد المحاولة الاولى، انجزت شركة Nobel Energy التي حققت الاكتشافات في اسرائيل، اكتشافاً بحرياً سمي Aphrodite في منطقة مشتركة بين قبرص واسرائيل. وقد بدأت عمليات حفر منطقة ثانية في المياه القبرصية، وربما بدأت عملية ثالثة في المنطقة المقابلة لما يسمى قبرص التركية، على رغم احتجاج القبارصة اليونانيين، واي اكتشافات في هذه المياه قد تساهم في تقريب اعادة اللحمة بين شطري الجزيرة.

تقديرات كميات النفط والغاز في شرق المتوسط ودلتا النيل، انجزتها وكالة تابعة لوزارة الطاقة الاميركية اسمها American Geological Survey، وقد تعاظمت وتضخمت التوقعات للمخزون الذي يقع بالفعل في مناطق بحرية تابعة لمصر وغزة، واسرائيل وقبرص ولبنان، وسوريا. ولعل ما يلفت الانتباه ان مستشار هيلاري كلينتون لشؤون الطاقة، حينما كانت وزيرة لخارجية الولايات المتحدة، وضع تقريراً قبل ثلاث سنوات يوحي بالامور الآتية:

– تطوير تعاون بين الدول المشار اليها من طريق انجاز اتفاقات دولية.

– ايلاء شركة Nobel مسؤولية انجاز اعمال الاستكشاف والتطوير، وهذه الشركة اميركية الجنسية لكن نسبة كبيرة من اسهمها يملكها اشخاص اسرائيليون او شركات اسرائيلية، وممثل هذه الشركة في علاقاتها في واشنطن هو الرئيس الاميركي سابقا بيل كلينتون.

– انجاز شبكة خطوط للتصدير، بعد كفاية الحاجات الداخلية، تصب في تركيا حيث يمكن اقامة مشاريع لتسييل الغاز او ربط الكميات الواردة بواسطة الانابيب مع شبكة الانابيب التي تمكن تركيا من تصدير الغاز الى عدد كبير من الدول الاوروبية.

التوصية الثالثة المشار اليها كان هدفها ولا يزال ابعاد تركيا عن استيراد الغاز من روسيا. ومعلوم ان تركيا تستورد نسبة 70 في المئة من حاجاتها من الغاز من روسيا، وقد باتت بحجم اقتصادها من اهم 18 اقتصاداً في العالم، وتاليا فان محاصرة سوقها للغاز من انتاج دول شرق المتوسط امر يخدم الإستراتيجية الاميركية، المتمثلة بمحاولة توثيق علاقات اسرائيل الاقتصادية مع عدد من الدول العربية، وفي الوقت ذاته محاصرة الصادرات الروسية من الغاز الى تركيا كما الى عدد من الدول الاوروبية.

المخطط لم يأخذ طريقه الى التنفيذ حتى تاريخه لاسباب متعددة. من اهمها ان شركة Noble لا تحظى بحجم دولي يمكنها من العمل في مختلف دول الحوض الشرقي للمتوسط، كما ان اوضاع مصر التي كانت تصدر الغاز تدهورت على هذا الصعيد الى حد دفع السلطات المصرية الى التفاوض مع شركة Noble لاستيراد الغاز من اسرائيل، وتطوير موارد دلتا النيل امر يحتاج الى سبع الى ثماني سنوات، ويقدر بعدها ان يكون الطلب في مصر ارتفع الى حدّ يحول دون التصدير. والوضع في سيناء معلق منذ اكتشاف الغاز في مياهها منذ عام 2000 اذ كان الإسرائيليون يصرون على الاستفادة من ذلك الاكتشاف حتى قبل الفلسطينيين ولا يزال الموضوع معلقاً. وسوريا التي تنتج الغاز من مناطق برية فقدت السيطرة على غالبية الانتاج للقوى على الارض، وليس لديها عقد للتنقيب في المناطق البحرية والا مع شركة حكومية روسية انجز عام 2013 ولا تزال الخطوات للتهيئة للحفر بدائية.

يبقى موضوع لبنان، وهو الاكثر تعقيداً لكثرة الطباخين الذين يبدو انهم افسدوا الطبخة او هم اخروا انجازها. فلبنان انجز قانوناً لقطاع الطاقة عام 2010، كما انشأ هيئة لادارة شؤون الطاقة قبل سنتين، علماً بان دورها استشاري، وربما حقق بعض المردود المالي، في مشاركته على نسبة من مقبوضات شراء الشركات المهتمة للكشوف الجيولوجية التي انجزها النروجيون، ومن قبل شركة بريطانية، ولا يزال اللبنانيون متعلقين بان لهم حقوقا متنازعا عليها في المنطقة البحرية المتاخمة للحدود الجنوبية مع اسرائيل. فاللبنانيون يعتبرون ان المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان والتي تبلغ 22 كيلومتراً مربعاً، تشمل 870 كيلومتراً عليها تنازع مع اسرائيل، والاميركيون ابدوا استعدادهم للمساعدة على اتفاق يوفر للبنان 570 كيلومتراً مربعاً من هذه المساحة والبقية تذهب الى اسرائيل، لكن الرسميين اللبنانيين يصرون على كامل المساحة، ويؤخرون اية عقود استكشافية قبل تحقيق هذا الطلب، على الاقل العقود الاستكشافية في منطقة الجنوب.

اللبنانيون يتناسون ان الامم المتحدة وضعت عام 1947 برنامجاً لتقسيم اراضي فلسطين بين الفلسطينيين واليهود بنسبة النصف لكل فئة، فكان الرفض العربي صارخاً، واليوم تدور المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية في رعاية اميركية تدور حول تمكين الفلسطينيين من السيطرة على سبعة في المئة من مساحة فلسطين عام 1947.

يضاف الى كل هذه التعقيدات الوضع الناشئ عن هبوط اسعار النفط بنسبة 40-42 في المئة، واسعار الغاز بنسبة 20 في المئة، وهذا الامر قد يبعد الشركات الكبرى عن التعاقد مع لبنان على البحث والتنقيب في مياهه حتى بعد التوجه الى اعلان الترحيب بعطاءات لجميع المناطق المفرزة للبحث والتنقيب.

المؤشرات الجيولوجية المتوافرة تفيد ان اعماق التنقيب تتجاوز الـ2000 متر، وتكاليف التنقيب والتطوير ليست بسيطة. فحقل Leviathan في المياه الإسرائيلية بلغت اكلاف استكشافه وتطوير انتاجه حتى تاريخه ستة مليارات دولار، وتكاليف حقل Tamar الذي يمتد في المياه اللبنانية بلغت ثلاثة مليارات دولار.

وبعد كل ذلك ثمة مؤشرات لتوجه الشركات الكبرى نحو ثروات الغاز حول موزمبيق التي تفيد التقديرات ان حجمها يتجاوز بكثير ما هو مقدر امكان تطويره في دول شرق المتوسط، وكذلك الامر في اعمال التنقيب في شرق افريقيا وغرب اوستراليا جارية على قدم وساق، ولا نزال في لبنان نبحث عن جنس الملائكة على رأس الدبوس. ومجمل احتياطات الغاز في دول شرق المتوسط التي قدرتها الهيئة الاميركية الاختصاصية توازي 25 في المئة من احتياط قطر وحدها و12 في المئة من احتياط روسيا الذي هو الاكبر عالمياً، وتاليا اهمية احتياطات منطقتنا لا تحتمل المبالغة.

قليل من الوعي، ايها النواب اللبنانيون، وربما بعض الاهتمام بمستقبل لبنان، علماً اننا نشعر بان الفرصة قد تكون فاتت وخصوصا اذا استمرت أسعار الغاز والنفط على مستويات منخفضة سنة او اكثر.