هناك تساؤلات حقيقية حول المعلومات التي أوردها وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، عن ممارسات تعرَّض لها بعض النازحين السوريين العائدين من لبنان إلى سوريا. فكلام المرعبي يُرعِب النازحين والمؤسسات الدولية الراعية… ولكنه لا يقدّم دلائل إلى مدى دقّة هذه المعلومات. فهل معلومات المرعبي موثوق فيها؟ أم أنّ هناك مَن أراد إمرارها إلى المسؤولين اللبنانيين ليقعوا ضحيتها؟
يقول المرعبي إنّ «النظام السوري يمارس أعمال قتل وانتقام وتهجير بحق نازحين سوريين عائدين». ويشير إلى «مقتل 3 سوريين عادوا قبل 8 أشهر من لبنان إلى البالوحة في سوريا عبر معابر غير شرعية، وهم ليسوا مسجَّلين لدى الأمن العام».
ويحدِّد أنهم «قُتلوا ليل الأحد – الإثنين، علماً أنّ أقرباء لهم كانوا قد قُتلوا سابقاً». ولم يَصدر عن أي جهة أخرى ما يؤكد أو ينفي المعلومات التي أوردها المرعبي في هذا الشأن.
ويثير كلام المرعبي مخاوف العائدين إلى سوريا من خلال معابر غير شرعية، ومن دون التنسيق مع الأمن العام، علماً أنّ غالبية النازحين العائدين من لبنان في الأشهر الأخيرة، ويقدّرهم المرعبي بـ55 ألفاً، إستخدموا هذه الطريقة.
ولكن، ثمّة من يسأل عن توقيت كلام المرعبي فيما الأمن العام اللبناني ماضٍ في فتح خط آمن لعودة النازحين، بحيث تتمّ طوعاً وبالتنسيق مع مفوضية شؤون اللاجئين، لئلا يتحمّل لبنان أي مسؤولية عن أي ثغرة قد تعتريها. فكيف للمرعبي أن يمتلك المعلومات التي أذاعها، وحده من دون سواه؟
فكلام المرعبي يتزامن مع إعلان الأمن العام عن تقدّم ملموس في ملف العودة، إذ قدَّر عدد النازحين العائدين من لبنان إلى سوريا، منذ تموز الفائت، بنحو 87 ألف شخص. ويتوقع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن يصل العدد إلى نحو 100 ألف مع نهاية السنة الجارية.
وهذا الرقم يمثّل إنجازاً مقبولاً، قياساً إلى ضخامة الملف. فعلى قارعة الانتظار في لبنان ما يفوق المليون ونصف مليون نازح، بين مسجَّل رسمياً في مفوضية النازحين وغير مسجَّل.
ويراهن المعنيون بالملف في لبنان على أن يؤدي إصدار عفو عام في سوريا إلى تسهيل عودة قسم كبير من النازحين. لكن هذا العفو ينتظر تطوّر مسار التسوية السياسية في سوريا. والتسوية لا تبدو وشيكة، خصوصاً في ظل تضارب المصالح وارتفاع حدّة التجاذبات بين المحاور الإقليمية والدولية.
ووفق المناخ الذي يرشح عن الراعي الروسي لعملية عودة النازحين، فإنّ ملف النازحين يبدو اليوم في مرحلة تقطيع الوقت و»تصريف أعمال»، لا أكثر. وثمّة تجاذب حاد بين القوى الدولية والإقليمية حول مستقبل التسوية السياسية في سوريا.
وفي العمق، لا ترى موسكو فرصة لتحقيق خروقات حقيقية ووافية في ملف عودة النازحين، ما لم تُفتَح قنوات الاتصال والتنسيق بين الدول التي تستضيفهم ونظام الرئيس بشار الأسد. وطبعاً، يرفض الروس أي تسوية سياسية تقود إلى تغيير الأسد.
ولكن، ثمة توقعات بأنّ هناك شيئاً ما سيقوم به لبنان الرسمي، في ملف النازحين، عندما تولد الحكومة (بعد عمر طويل). يؤكد ذلك المناخ الذي يرشح عن الأطراف المعنية بالملف حالياً: موسكو، «حزب الله»، دمشق والرئيس ميشال عون الذي يجزم أن لا مجال لمعالجة الملف من دون التنسيق مع سوريا.
ولذلك، سيكون مفيداً للبنان أن يمضي في استثمار الوقت الضائع لتكريس العودة، وفق المسار الذي يشرف عليه الأمن العام، إلى أن تنطلق مسارات أخرى.
وحتى وإن كان مردود مسار الأمن العام محدوداً – قياساً إلى الحجم الهائل للنازحين في لبنان – فإنه يبقى الأكثر واقعية وعملانية، في غياب أيّ طريق آخر.
ولكن، في أي حال، ثمة ما يستدعي الإيضاح في كلام المرعبي: كيف للوزير المعني بإعادة النازحين أن يطلق الكلام الذي يثير مخاوف هؤلاء ويدفعهم إلى التردّد، من دون أن يرفق هذا الكلام ببراهين ووثائق تثبت صحّته وتحدد مصادره؟ وإذا كانت هذه البراهين موجودة فلماذا لا يعلنها بدقّة، ولماذا لم تعلنها جهات أخرى معنية وتبلغها الى المسؤولين اللبنانيين؟ وهل المؤسسات الدولية المعنية تلقّت هذه المعلومات أيضاً، ولماذا لم تُعلنها، خصوصاً أنها تبدي دائماً حرصها الشديد على سلامة النازحين؟
فإذا ثَبُتَ أنّ الوزير وقع ضحية معلومات مدسوسة، مصدرها الداخل السوري، من جهات معيَّنة، فيجب إيضاحها وطمأنة النازحين إلى سلامة العودة التي تستمرّ يومياً، ولو بأعداد قليلة، بحيث لا تؤدي هذه المعلومات المدسوسة إلى كبح جماح العودة. أمّا إذا ثَبُتَ أنّ معلومات الوزير صحيحة، فعليه أن يضع الجميع في أجوائها وحيثياتها لاتخاذ موقف مشترك.
وفي أي حال، وبمعزل عن الأجوبة، ثمة مَن يطرح السؤال الآتي: هل إنّ هناك مَن يحاول تعطيل عودة النازحين لأنه يستفيد من بقائهم هنا؟ أم انّ هناك طرفاً آخر يريدهم ألّا يعودوا إلى سوريا، لأنه متضرِّر من وجودهم هناك؟
في المبدأ، يجوز الوجهان لبنانياً وسورياً…