IMLebanon

«الفتوى» تشهر سيف الاعتدال في وجه الإرهاب

تنصيب دريان: تكريس إسلام «العيش المشترك» وتعهّد بتحريره من «خاطفي الدين والوطن»

«الفتوى» تشهر سيف الاعتدال في وجه الإرهاب

 

هي سماحة إسلام السلم والانسانية والاعتدال تجلت أمس في أبهى صورها الجامعة والمؤمنة بالعيش المشترك في مسجد محمد الأمين وسط بيروت، حيث كان اللقاء والتلاقي على كلمة سواء وطنياً وعربياً وإسلامياً في مواجهة التطرف والتعصّب خلال حفل تنصيب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان. لقاءٌ شَهَرَ فيه دار الافتاء وضيوفه سيف الاعتدال في وجه الإرهاب وسيوف عصائبه «الضالة والمضلّة باسم الدين أو المذهب أو السلطة»، إيماناً ويقيناً بأنّه الأمضى والأقوى «بموازين الحياة الكريمة وصلابة الحق والخير والعدل والإنسانية» على ما أكد صاحب الدار في خطاب تنصيبه، مشدداً على أنّ «كل جريمة يمكن بعدها الصلح وتسهل بعدها المهادنة إلا القتل في الدين والإخراج من الديار».

وإذ تميّز حفل تنصيب المفتي دريان بإحاطة لبنانية وعربية وروحية رفيعة المستوى وسط حشد من المدعويين ناهز الألف وخمسمئة شخصية، تركت الكلمات التي ألقيت على منبره ارتياحاً واسعاً سرعان ما ترددت أصداؤه في الوسط الوطني العام. وفي هذا السياق وصفت مصادر المشاركين في الحفل لـ«المستقبل» كلمة المفتي بأنها تجسّد «خطاب مرحلة»، موضحةً أنها قرأت في المناسبة ككل وفي الخطب التي ألقيت خلالها «مضامين تعكس دلالات كبيرة وإجابات واضحة على تحديات المرحلة الراهنة في لبنان والمنطقة».

المصادر شددت على كون «مشهدية الاعتدال تجلت في كلمات كل من ممثل خادم الحرمين الشريفين ومفتي الديار المصرية وقيادات الطوائف الروحية اللبنانية»، في حين رسم خطاب دريان «خارطة طريق وطنية ودينية للاعتدال الفعلي أكدت أنّ دار الفتوى عادت لتلعب دورها الطليعي بوصفها صرحاً جامعاً وطنياً وروحياً وحوارياً»، مع إشارة المصادر في هذا الإطار إلى أنّ تظهير هذا الدور سيبدو جلياً في اللقاء الروحي الجامع المرتقب الذي كان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي قد أعلن الاستعداد لعقده بعد تولي المفتي دريان منصبه.

سلام

وكان رئيس الحكومة تمام سلام قد استهل حفل تنصيب المفتي دريان في قاعة الرئيس رفيق الحريري في مسجد الأمين بكلمة أكدت أنّ المناسبة تحمل في طياتها تدشين «عهد جديد في مؤسسة دار الافتاء (…) استكمالاً للدور التاريخي الذي لطالما تولّته على المستوى الوطني»، منبهاً في المقابل إلى أنّ «دين المحبة والاعتدال والوسطية والتسامح يتعرّض اليوم لهجمة شرسة من جماعات تكفيرية ظلامية إرهابية (…) وصلت شرورها إلى لبنان» من خلال «الهجوم الغادر على بلدة عرسال». 

وإذ أكد «مواصلة العمل في كل اتجاه» لتحرير العسكريين المخطوفين، وأشاد بما تقوم به قوى الشرعية العسكرية والأمنية في مواجهة الإرهاب، دعا سلام «المسلمين اللبنانيين والعرب إلى خوض معركة تثبيت المسيحيين في أرضهم» مع تشديده على أنهم كما المسلمون «أصحاب الأرض وأهل الدار»، مجدداً الدعوة «في هذه المناسبة الإسلامية إلى انتخاب الرئيس المسيحي الماروني للجمهورية اليوم قبل الغد» من منطلق تأكيده التمسك بـ«الشراكة الحقيقية في الحياة والمصير، فإما أن ننهض جميعاً أو نسقط واحداً تلو الآخر».

قبلان وحسن ومطر

ثم توالت كلمات رؤساء الطوائف الروحية، فاستذكر نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان الرئيس الشهيد رفيق الحريري قائلاً: رحمك الله يا أبا بهاء، بنيت فأحسنت البناء، وأسست جيداً مديداً على الدوام. نذكرك في كل خطوة من أجل لبنان والعرب والمسلمين». وإذ أشاد بالمفتي دريان وطالب «بالوحدة الوطنية»، لفت الانتباه تشديد قبلان على وجوب «نزع السلاح من أيدي الناس ليكون فقط بيد الدولة والجيش».

من جهته، نوّه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن «بالنهضة المتجددة» لدار الفتوى، وأكد أنّ «الثوابت الإسلامية والوطنية من شأنها أن تبني الأوطان، وعلى رأسها المناداة بسيادة الدولة ودعم الجيش الوطني والقوى الأمنية»، مشدداً في معرض شجبه ما يتعرض له مسيحيو الشرق على أنّ «الإسلام هو دين الاعتدال والتسامح والعيش المشترك ودين للارتقاء بالانسان من مزالق التطرف والتعصّب».

أما كلمة البطريرك الراعي فقد ألقاها رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر وأشادت «بمسيرة الالفة والوحدة والعمل» التي أطلقها المفتي دريان والتي أكد مطر على ملاقاتها لمسيرة «الشركة والمحبة»، معرباً عن تطلع الكنيسة إلى «شد أواصر العيش معا الذي ينظمه الدستور وينعشه روح الميثاق وتجسده الصيغة اللبنانية».

ممثل خادم الحرمين

ثم ألقى ممثل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، سليمان بن عبد الله بن أبي الخير، كلمة شدد فيها على واجب «نشر مبادئ الاسلام الصحيحة» في وجه مبتغي «الفتنة والفساد»، مشيداً بالمفتي دريان بوصفه «صاحب علمية متميزة ومنهج واضح وعقلية فريدة سيستطيع من خلالها أن يقوم بمهامه الكبيرة ومسؤوليته الجسيمة في زمن متسارع ومتصارع». 

مفتي الديار المصرية

بدوره، نوّه مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام بالمفتي دريان «أحد أبناء الأزهر الشريف النجباء»، وتوجه إليه بالقول: «إنك اليوم حملت على عاتقك مهمة شاقة ومسؤولية عظيمة ذات أهداف عدة يأتي في مقدمتها جمع الصف اللبناني، ونشر الاعتدال والتعايش بين أبناء الشعب اللبناني بمختلف طوائفه، وكذلك نبذ التطرف والارهاب الذي يتخذ من الدين مطية له في ظل ما تشهده المنطقة من انتشار لجماعات إرهابية تستغل حماس الشباب وتدفعهم باسم الجهاد والخلافة الاسلامية إلى تدمير اوطاننا وتشويه صورة الاسلام السمحة»، مؤكداً أنّ «مواجهة هذا الفكر وكشف زيفه وانحرافه هو من واجب الامة على امتداد العالم الاسلامي»، مع تشديده على أنّ «الأزهر الشريف هو رأس الحربة الذي يتكسر على صخوره كل فكر معوج».

دريان

وفي ختام الحفل، ألقى المفتي دريان كلمةً شدد فيها على ضرورة الاجتماع لإعلاء «كلمة الحق والخير والاعتدال في وجه التطرف وسيول الدم والخراب والدمار والتهجير»، وأكد وجوب «رفض الفتنة والاستعلاء على المحنة»، قائلاً: «لا حماية للدين والانسان إلا بحماية الوطن والدولة (…) ولن نسمح لأحد أن يخطف منا ديننا أو وطننا أو سلامة إنساننا وأمنه واطمئنانه».

وإذ حذر من أنّ «السلاح هو البلاء الأعظم»، طالب دريان بالعمل على «حماية الوطن والدين والدولة باسم المواطنين الذين عانوا ويعانون في كرامتهم وحريتهم ودينهم من السلاح والمسلحين الخارجين عن سلطة الدولة وعن أعراف العيش المشترك وقواعد السلم الأهلي»، معلناً في المقابل تمسك دار الفتوى «بالعيش المشترك الإسلامي المسيحي وباتفاق الطائف، وبوثيقة الثوابت العشر الصادرة عن دار الفتوى عام 1983، ووثيقة الثوابت الوطنية عام 2011، اللتين أكد فيهما المسلمون أنّ لبنان هو وطن نهائي لجميع بنيه وأنهم ملتزمون بعيشه المشترك ونظامه الديمقراطي وانتمائه العربي وحرياته الدينية ومواطنته المتساوية والتزاماته القومية».

تسليم وتسلم 

وعشية حفل التسلّم والتسليم الرسمي عند التاسعة من صباح اليوم بين المفتي دريان وسلفه المفتي محمد رشيد قباني، توجه رئيس الحكومة والمفتي إثر انتهاء احتفال تنصيبه من مسجد محمد الأمين إلى دار الفتوى، حيث كان في استقبالهما حشود وجماهير من مختلف المناطق واستعرضا التحية الكشفية عند مدخل الدار قبل دخولهما إلى الصرح لاستقبال المفتين والعلماء والشخصيات المهنئة.