بوغدانوف لـ«المستقبل»: فعّلنا الهبة الروسية وجاهزون للتسليح
عبوة عرسال
إذاً نعت قيادة الجيش الجنديين علي أحمد حمادي الخراط ومحمد عاصم ضاهر اللذين استشهدا بانفجار «عبوة ناسفة موجّهة لاسلكيا عن بُعد وتقدّر زنتها بنحو 10 كلغ من المواد المتفجرة» استهدفت آلية عسكرية أثناء تنقلها في عرسال ما أدى كذلك إلى إصابة ثلاثة عسكريين بجروح. وأوضحت مصادر أمنية رفيعة لـ«المستقبل» أنّ الانفجار وقع على مقربة من إحدى محطات الوقود في البلدة، ناقلةً معطيات أمنية تشير إلى أنّ هذه العملية الإرهابية أتت بمثابة «رد على الخطوات التي اتخذها الجيش في إطار فرضه حصاراً عسكرياً محكماً على جرود المنطقة حيث تتحصّن المجموعات المسلحة».
وعلى الأثر، أطلقت الوحدات العسكرية عمليات دهم واسعة لأماكن عدة في عرسال يشتبه بأن تكون العناصر الإرهابية المنفّذة للتفجير قد لجأت إليها، وشملت هذه المداهمات مخيمات النازحين السوريين حيث أفادت المعلومات الأمنية بأنّ الجيش ألقى القبض على أكثر من 200 شخص، من بينهم مسلحون يشتبه بأنها شاركوا بالقتال ضد الجيش إبان اندلاع معارك عرسال. وبالتزامن، تصدى الجيش لمواقع المسلحين في الجرود إثر تعرضه لإطلاق نيران منها فردّ على مصادر النيران وقصف مواقع المسلحين المتحصّنين في تلك المنطقة.
«النصرة»
ومساءً، باغتت «جبهة النصرة» اللبنانيين بتسريب نبأ عبر وكالة «الأناضول» التركية تؤكد فيه «إعدام الجندي المخطوف محمد حمية رمياً بالرصاص». وفي حين لم تستبعد مصادر أمنية لـ«المستقبل» أن تكون «النصرة» قد أقدمت بالفعل على ارتكاب هذه الجريمة، برز في المقابل ما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام عن والد حمية لجهة تأكيد تلقيه تطمينات من جهات في عرسال تفيد بأنّ ابنه لا يزال على قيد الحياة ولم يتم إعدامه.
«حافر قبر» السيّد
وكان الجيش قد تمكّن أمس من توقيف عدد من السوريين لدخولهم خلسة إلى الأراضي اللبنانية، من بينهم المدعو دحام عبد العزيز رمضان الذي جرى تسليمه موقوفاً إلى مخفر بعلبك ومنه إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وكشفت مصادر أمنية رفيعة لـ«المستقبل» أنه خلال التحقيق مع الموقوف رمضان «تبيّن أنه ينتمي إلى مجموعة الموقوف عماد جمعة، عندئذ تم التوسّع معه بالتحقيقات فاعترف أنه هو من حفر القبر الذي ووري فيه جثمان العسكري الشهيد علي السيّد بعد إعدامه على يد خاطفيه من تنظيم «داعش» الإرهابي»، ولفتت المصادر إلى أنّ «رمضان أقرّ بإقدامه على حفر القبر في منطقة الرهوة في جرود عرسال إلا أنه إدعى عدم معرفته بأنه كان يحفر قبراً إنما مجرد حفرة لتخبئة السلاح فيها بناءً على طلب المسلحين قبل أن يعود ليعلم لاحقاً أنّ الشهيد السيّد تم دفنه في هذه الحفرة». وأشارت المصادر إلى أنّ «المعلومات» وبعد استكمال تحقيقاتها مع الموقوف عادت فسلّمته مساءً إلى مديرية المخابرات في الجيش للتوسّع في التحقيق وإجراء المقتضى بحقه.
بوغدانوف
وبالعودة إلى موسكو، فقد أكد نائب وزير الخارجية الروسية لـ«المستقبل» أنّ زيارة الوزير المشنوق «كانت موفّقة جداً وحققت كل أهدافها»، آملاً في أن تتبلور نتائجها قريباً «تعاوناً مثمراً في موضوع تسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية وكافة المواضيع الأخرى ذات الاهتمام المشترك».
وإذ أشاد بالاهتمام البالغ الذي توليه المملكة العربية السعودية لتسليح الجيش اللبناني وبدورها الجوهري والفاعل في مواجهة التطرف والإرهاب، طرح بوغدانوف في معرض تعليقه على التحالف الدولي ضد الإرهاب جملة أسئلة قائلاً: «ماذا يعني هذا التحالف ولماذا يأخذ شكل «النادي»؟ هو برئاسة مَن وعضوية مّن؟ نريد أن نفهم. ولماذا يضمّ جهات ويستثني أخرى؟»، وأضاف: «نحن بطبيعة الحال نقف ضد الإرهاب لكننا نفضّل أن تكون مواجهته في إطار مجلس الأمن والمؤسسات الدولية بحيث لا تستثني هذه المواجهة أحداً بما في ذلك إيران وسوريا».
وعن الملف الرئاسي اللبناني، أكد بوغدانوف أنّ «القيادة الروسية تشجّع اللبنانيين على التوافق في ما بينهم لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يرضي طموحاتهم جميعاً ويكون معتدلاً يعزز الوفاق بين كافة اللبنانيين»، وأردف ممازحاً: «علكيم أن تتّعظوا مما حصل في مصر حيث أصبح الرئيس غير التوافقي في السجن»، في إشارة إلى الرئيس المخلوع محمد مرسي.
المشنوق
وكان الوزير المشنوق قد التقى بوغدانوف في مقر وزارة الخارجية الروسية وبحث معه في أوضاع وتطورات المنطقة، فكان «تطابق في الأفكار لجهة ضرورة دعم الاعتدال» مطالباً في هذا الإطار بدعم روسي لوجستي وعسكري لتسليح قوى الأمن الداخلي والأمن العام. كما التقى المشنوق نظيره الروسي فلاديمير كولوكولتسيف الذي أبدى استعداده لتدريب ضباط لبنانيين في الأكاديمية الوطنية للشرطة لمكافحة الجريمة المنظّمة والإرهاب.
المشنوق وصف نتائج زيارته موسكو بـ«الممتازة» وكشف في مؤتمر صحافي عقده في ختام الزيارة أنّ رئيس أركان الجيش اللبناني سيزور روسيا قريباً لمتابعة البحث مع السلطات الروسية في ملف التعاون العسكري المشترك، وأشار في الوقت ذاته إلى تقديم «لوائح معدة من قوى الأمن الداخلي والأمن العام للجانب الروسي تتضمن أسلحة خفيفة ومتوسطة بالحد الأقصى بالإضافة إلى احتياجات شعبة المعلومات والأمن العام»، مؤكداً في هذا السياق أنه طلب من المسؤولين الروس «هبة روسية من نوعية هذه الأسلحة للقوى الأمنية وقد ظهرت إيجابية جدية في مجال التسليح والتدريب المتحرف».
وأكد المشنوق لـ«المستقبل» أنّ المسؤولين الروس أعربوا أمامه عن «تقدير موسكو عالياً للدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في لبنان والمنطقة لمكافحة الإرهاب»، بينما لخّصت مصادر الوفد الرسمي المرافق لـ«المستقبل» أجواء محادثات موسكو بالقول إنّ «المسؤولين الروس أبدوا معارضتهم الشديدة للتحالف الدولي ضد الإرهاب وأكدوا في الوقت عينه أنهم مهتمون جداً بوضع المسيحيين في لبنان وسوريا والعراق»، ونقلت المصادر عن المشنوق التأكيد بدوره أنّ «اللبنانيين أيضاً مهتمون جداً بهذا الموضوع ولا يألون جهداً في سبيل ذلك، لكن المشكلة تكمن في أنّ هناك دولاً في المنطقة تمعن في إيذاء المسيحيين وتهميش دورهم من خلال مثلاً منع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وهو الموقع المسيحي الأهم في لبنان والمنطقة».
ونقلت مصادر الوفد الرسمي عن المشنوق أنه «تمنى خلال محادثاته مع بوغدانوف أن تلعب موسكو دوراً فاعلاً مع كل من إيران وسوريا لحثهما على القبول بانتخاب رئيس لبناني جديد لأنّ في ذلك حمايةً لمسيحيي الشرق ولدورهم في لبنان والمنطقة». أما في ما يتصل بمسألة التحالف الدولي ضد الإرهاب، فلفتت المصادر إلى أنّ المشنوق شدد على أنّ «لا إيران ولا النظام السوري يمكنهما محاربة الإرهاب بمعنى أنّه لا الشيعة ولا العلويون يستطيعون التصدي للإرهاب إذا كان يأتي من بعض السنّة، بل وحده الاعتدال السني هو الكفيل بمحاربة هذا الإرهاب». وذكّر المشنوق في هذا السياق بما تعرّض له السنّة في «مثلث لبنان – سوريا – العراق» قائلاً لبوغدانوف: «في لبنان تم إقصاء حكومة الرئيس سعد الحريري رمز الاعتدال السني، وفي سوريا قمع النظام السوري أبناء الطائفة السنية بما في ذلك أبرز رموزهم في السلطة نائب الرئيس فاروق الشرع الذي أقصي عن المشهد منذ أكثر من عامين، وفي العراق قضى نظام نوري المالكي على «الصحوات» السنية التي أنشئت أساساً لمكافحة القاعدة عام 2006 الأمر الذي خلق رد فعل لدى السنّة العراقيين ما دفع بعضهم إلى الالتحاق بتنظيم «داعش».
وفي معرض تشديده على أنّ الاعتدال السني هو الكفيل وحده بمواجهة الإرهاب، أردف المشنوق: «أما نحن في لبنان فلا ينتظرنّ منا أحد إنشاء «صحوات» في وجه الإرهاب بل نريد مواجهته وفق الأصول ومن خلال التمسك بالاعتدال»، مشيراً في هذا المجال إلى «أهمية دور المملكة العربية السعودية كراعية للاعتدال»، وقال: «الدين ليس لديه حدود كالدول، وبالتالي تستحيل مواجهة التشدد والإرهاب الذي يمارسه البعض زوراً باسم الدين بتشدد إيراني من هنا أو تشدد أسدي من هناك»، لافتاً انتباه بوغدانوف إلى أنّ «العالم كان قرية صغيرة بسبب الانترنت وقد أصبح اليوم قرية كبيرة بسبب الإرهاب».