لقاء ترامب والأمير محمد بن سلمان «نقطة تحوّل تاريخية».. واستثمارات بـ200 مليار دولار
واشنطن والرياض: شراكة استراتيجية ومواجهة الزعزعة الإيرانية
أكدت الوقائع التي ظهرت أمس أن اللقاء ــ الغداء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض أول من أمس، سيكون «نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين»، بعدما مرت هذه العلاقات بفترة من التباعد في وجهات النظر في عدد من الملفات في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إذ لم «تعد الأمور إلى مسارها الصحيح» وحسب بل أعطاها هذا اللقاء زخماً أقوى.
فقد أعلن البيت الأبيض، أمس، أن الرئيس ترامب والأمير محمد بن سلمان جددا خلال اجتماعهما مساء أول من أمس دعمهما لإقامة «شراكة استراتيجية قوية وواسعة ودائمة» بين الولايات المتحدة والسعودية «مبنية على المصالح المشتركة والالتزام باستقرار وازدهار منطقة الشرق الأوسط»، كما اتفقا على «أهمية مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار».
وقال البيت الأبيض في بيان إن ترامب أعرب عن دعمه لتطوير برنامج جديد تقوم به «مجموعات عمل مشتركة بين البلدين في مجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا تبلغ قيمتها أكثر من 200 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ضمن السنوات الأربع المقبلة».
ووجّه الرئيس الأميركي وولي ولي العهد «فريقيهما لاستكشاف خطوات إضافية عبر مجموعة واسعة من الأبعاد العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لتعزيز ورفع مستوى العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية لما فيه مصلحة البلدين».
وأضاف البيان: «وينوي المسؤولون السعوديون والأميركيون التشاور حول بعض الخطوات الإضافية لتعميق العلاقات التجارية وتشجيع الاستثمار وتوسيع التعاون في مجال الطاقة».
وأشار ترامب والأمير محمد بن سلمان إلى «أهمية مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة مع الاستمرار في تقويم الوضع وتطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة بشكلٍ صارم».
وعبّر ترامب عن رغبته القوية في تحقيق تسوية عادلة وشاملة ودائمة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والاستمرار في المحادثات مع البلدين للمساعدة في التوصل إلى حلولٍ للقضايا في المنطقة.
وتابع بيان البيت الأبيض: «وبصورة أكبر، فقد أشار الرئيس ترامب وولي ولي العهد إلى التعاون العسكري والأمني الحالي بين
البلدين في مواجهة داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية العابرة للحدود والتي تُشكل خطراً على كافة الدول».
وأعلنت الدولتان «عزمهما تعزيز تعاونهما في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة، وذلك بهدف تحقيق النمو والازدهار في البلدين والاقتصاد العالمي».
وقدم ترامب دعمه «لاستثمارات الولايات المتحدة في السعودية وتسهيل التجارة الثنائية، مما سيؤدي إلى وجود فرص هائلة للبلدين. وفي مجال الطاقة، أكد البلدان رغبتهما في مواصلة المشاورات الثنائية بطريقة تُعزّزُ نمو الاقتصاد العالمي، وتحد من اختلال العرض وتقلّب السوق».
وقال بيان البيت الأبيض: «سلطت الدولتان الضوء على أن التعاون الاقتصادي الموسع يمكن أن يؤدي إلى توفير ما لا يقل عن مليون وظيفة أميركية مباشرة في غضون الأربع سنوات المقبلة، بالإضافة إلى ملايين الوظائف غير المباشرة، فضلاً عن توفير الوظائف في المملكة العربية السعودية. واستعرض ولي ولي العهد السعودي برنامج رؤية المملكة 2030 مع الرئيس ترامب واتفق على وضع برامج ثنائية محددة لمساعدة الدولتين على الاستفادة من الفرص الجديدة التي أوجدتها المملكة عبر تنفيذها لتلك الخطط الاقتصادية الجديدة».
وكان أحد كبار مستشاري ولي لي العهد السعودي وصف اللقاء بين ترامب والأمير محمد بن سلمان بـ«الناجح للغاية»، مؤكداً أنه «يعتبر نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين التي مرت بفترة من تباعد وجهات النظر في العديد من الملفات، إلا أن اللقاء أعاد الأمور لمسارها الصحيح».
وقال المستشار في بيان إن الاجتماع «يُشكل نقلة كبيرة للعلاقات بين البلدين في كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وذلك بفضل الفهم الكبير للرئيس ترامب لأهمية العلاقات بين البلدين واستيعابه ورؤيته الواضحة لمشاكل المنطقة».
وأشار الى أن «الأمير محمد بن سلمان ناقش مع الرئيس ترامب قضية منع دخول بعض مواطني الدول الست للولايات المتحدة الأميركية، وأن سموه متابع للموضوع من البداية، وأن المملكة العربية السعودية لا ترى في هذا الإجراء أي استهداف للدول الإسلامية أو الدين الإسلامي بل هو قرار سيادي لمنع دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة».
أضاف: «أظهر الرئيس ترامب احترامه الكبير للدين الإسلامي باعتباره أحد الديانات السماوية التي جاءت بمبادئ إنسانية عظيمة تم اختطافها من قبل الجماعات المتطرفة، فيما أكد الأمير محمد أن المعلومات السعودية تُفيد بالفعل أن هناك مخططاً ضد الولايات المتحدة تم الإعداد له في تلك الدول بشكل سري من هذه الجماعات، مستغلين بذلك ما يظنونه ضعفاً أمنياً فيها للقيام بعمليات ضد الولايات المتحدة. وأبدى تأييده وتفهمه لهذا الإجراء الاحترازي الهام والعاجل لحماية الولايات المتحدة من العمليات الإرهابية المتوقعة».
وأوضح المستشار أن «الأمير محمد بن سلمان أكد أن الاتفاق النووي سيئ وخطير للغاية على المنطقة وشكل صدمة للعارفين بسياسة المنطقة، وأنه لن يؤدي إلا لتأخير النظام الإيراني الراديكالي لفترة من الزمن في إنتاج سلاحه النووي، وأن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى استمرار تسلح خطير بين دول المنطقة التي لن تقبل بوجود أي قدرة عسكرية نووية لدولة إيران».
وأكد أن ترامب وولي ولي العهد «تطابق وجهات نظرهما بشكل تام حول خطورة التحركات الإيرانية التوسعية في المنطقة، وأن إيران تحاول كسب شرعيتها في العالم الإسلامي عبر دعم المنظمات الإرهابية بهدف وصولهم لقبلة المسلمين في مكة، مما يعطيهم الشرعية التي يفتقدونها في العالم الإسلامي ومع أكثر من مليار ونصف مليار مسلم في العالم أجمع، وأن دعم إيران للمنظمات الإرهابية مثل حزب الله والقاعدة وداعش وغيرها ووقوفها في وجه أي اتفاق لحل المشكلة الفلسطينية من باب تصدير مشاكلها للخارج ومحاولة أخرى لكسب الشرعية التي تفتقدها بين المسلمين».
وقال المستشار السعودي إن الجانبين أبديا اتفاقاً على أهمية التغيير الكبير الذي يقوده الرئيس ترامب في الولايات المتحدة وتزامن ذلك مع التغيير في السعودية عبر رؤية السعودية 2030.
وأضاف أن الجانبين «تناقشا حول التجربة الناجحة السعودية بإقامة سياج عازل بين السعودية والعراق، وأن ذلك أدى لعدم تسلل أي شخص أو أي عملية تهريب منذ أن تم تشييده» حيث أبدى الأمير محمد «أسفه أن السعودية لم تعجل بتطبيق هذه التجربة الناجحة في حدودها مع اليمن موضحاً أن نجاح التجربة في حدود المملكة الشمالية سيعجل بشكل كبير بتطبيقها على الحدود الجنوبية للمملكة».
كما أكد المستشار السعودي أن الأمير محمد بن سلمان «أبدى ارتياحه بعد اللقاء للموقف الإيجابي والتوضيحات التي سمعها من الرئيس ترامب حول موقفه من الإسلام. وذلك عكس ما روجه الإعلام عنه، مؤكداً أن ترامب لديه نية جادة وغير مسبوقة للعمل مع العالم الإسلامي وتحقيق مصالحة بشكل كبير، وأنه يرى فيه صديقاً حقيقياً للمسلمين وسيخدم العالم الإسلامي بشكل غير متصور على عكس الصورة النمطية السلبية التي حاول البعض ترويجها عنه، سواء كان ذلك عبر نشر تصريحات غير منصفة ومقتطعة من سياقها أو عبر التفسيرات والتحليلات الإعلامية غير الواقعية عنه».
وأكد المستشار أن «التعاون بين البلدين بعد الاجتماع التاريخي سيكون في أعلى مستوى له، وأن هناك الكثير من التفاصيل والأخبار الإيجابية سيتم إعلانها خلال الفترة القادمة».
ولعل مأدبة الغداء التي أقامها ترامب للأمير محمد بن سلمان أول من أمس وسمح خلالها بالتقاط الصور، شكلت «إشارة» للودية التي طغت على اللقاء.
وأشارت مراسلة «العربية» إلى أن كبار الشخصيات حضروا المأدبة ومنهم نائب الرئيس الأميركي مايك بينس ومستشار الأمن القومي هربرت ماك ماستر ومساعد الرئيس الأميركي ستيف بانون وصهر ترامب وكبير مستشاريه بالبيت الأبيض جاريد كوشنر، ومستشارة ترمب للشؤون الاقتصادية دينا باول، بالإضافة إلى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وكبار المسؤولين السعوديين والأميركيين.
وأضافت مراسلة «العربية» أنه تم التطرق إلى العديد من الملفات الساخنة خلال الغداء أبرزها التدخلات الإيرانية وبعض المسائل الاقتصادية والسياسية.
ودعا الرئيس الأميركي كبار المسؤولين الى دخول القاعة بعد بدء الاجتماع مع ولي ولي العهد السعودي ليسمعوا من الأمير ما سمعه ترامب، كما يُشار إلى أن فكرة الاجتماع تغيرت من مناقشة الخطوط العريضة إلى الدخول في تفاصيل التفاصيل.
(«المستقبل»، العربية نت، رويترز)