على وقع رشق البيض الذي تعرضت له مواكب المشاركين في الحوار، اصطف المدعوون حول الطاولة لمدة ثلاث ساعات، منهم من ارتجل مداخلته ومنهم من اعدها مكتوبة، ومنهم من غاب رغم حضوره، لترفع الجلسة الى موعد جديد، ويخرج المجتمعون من الطابق الثالث كما دخلوا «بخديعة اعلامية»، حرمتهم الطلة على الشاشات خلافا للمرات السابقة، ولتحل حركة الشارع ضيفة هذه المرة.
واذا كان «حوار الفرصة الاخيرة»، على ما اعتبره رئيس المجلس، محاولة لاعادة الملفات الى الداخل، فان تقدمه سيؤشر بالتأكيد الى المدى الذي وصلته المشاورات والاتصالات الاقليمية، التي تحدثت مصادر دبلوماسية غربية عن انعقاد آخر جولاتها، في مسقط منذ اسبوعين، تزامنا مع الدعوة الى طاولة الحوار، دون ان تحرز اي تقدم ايجابي، رغم الحماسة الايرانية الظاهرة للحوار مع السعودية، والتي يأمل الرئيس الايراني ان تحقق خرقا قبل زيارته المرتقبة الى فرنسا منتصف تشرين الثاني المقبل، معتبرة في هذا الاطار ان «جزرة الحوار اللبناني» تم «طبخها» بمبادرة ايرانية حملها وزير الخارجية الايراني الى لبنان خلال زيارته الاخيرة الى بيروت، كبادرة حسن نية تجاه الرياض.
في هذه الاجواء انطلقت الجلسة الاولى، استراتيجية ىضبابية» للرابع عشر من آذار، خرج بها اجتماع بيت الوسط بالاتفاق على الخطوط العريضة للملفات التي ستطرح على بساط البحث، على أن يترك لممثّلي هذا الفريق أن يعبر كل منهم على طريقته، في مقابل تنسيق مسبق بين قوى الثامن من آذار، بدا جليا من خلال مجريات الجلسة الاولى، حيث كشفت المعلومات ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون رهن مشاركته، بضمانات من الرئيس نبيه بري بأن يتم تجاوز الموضوع الرئاسي بسرعة للانتقال الى موضوع الانتخابات النيابية بسرعة مقابل تعهّد عون بالموافقة على طرح قانون الانتخابات على أساس النسبية في لبنان دائرة واحدة، بدفع من حزب الله لطمأنة «الجنرال».
هذا الاصطفاف، الذي خرقته عملية توزيع المشاركين حول الطاولة عبر خلط شخصيات الثامن والرابع عشر لم يحل دون حصول مشادات كلامية كان ابرزها بين الرئيس فؤاد السنيورة والعماد ميشال عون، وبين الاخير والنائب بطرس حرب، حيث كشف احد المشاركين، ان «الجنرال» ركز في مداخلة له على ضرورة الاحتكام الى الشعب لافتا الى ان «كل الدول الحضارية تحتكم الى الشعب لتنظيم انتخابات نيابية مبكرة عندما تستفحل الازمات، وعلينا ان نلجأ الى الشعب لكي يكون لدينا رئيس قوي، عندئذ طلب الرئيس السنيورة الكلام متوجها لعون بالقول: «الرئيس هو لكل البلاد ويمثل وحدة اللبنانيين «ومش بالضرورة يكون قوي»، فرد عون قائلا «هذا الامر كان يجوز قبل اتفاق الطائف، ولكن بعد هذا الاتفاق الذي انتزع صلاحيات الرئيس اصبح الامر يستلزم العودة الى الشعب»، نقاش لم ينته، اذ عاود الجنرال في ختام الجلسة التأكيد على كلامه عن ان المجلس الحالي غير شرعي ولا يحق له انتخاب رئيس، عندئذ تدخل النائب حرب معتبرا ان «من ابرز مهام المجالس النيابية تعديل الدستور واقرار قانون الانتخابات، فكيف نعتبر المجلس غير شرعي لانتخاب رئيس ونعتبره شرعيا لتعديل الدستور واقرار قانون انتخابات»، عندئذ رد العماد بعصبية «ما بسمحلك تحكي معي ومش الي بتوجه هيدا الكلام وما بقبل بالشي يلي قلتو»، ليأخذ الكلام الوزير حرب من جديد متحدثا بانفعال «انا لا اوجه الحديث لك بل الى طاولة الحوار والبلد رح يخرب ونحن نتسلى بأمور لا تؤدي الى اي امر». عند هذا الحد تدخل الرئيس بري معلنا رفع الجلسة الى الموعد الجديد.
مصادر مشاركة في الحوار اشارت الى ان الرئيس بري حاول ادارة الجلسة من خلال مقاربة جديدة تدفع الجميع باتجاه الوصول الى حلول والالتزام بها، اقله في ملفات اساسية مرتبطة بالحفاظ على ما تبقى من مقومات دولة، مستمعا لاراء الجميع ساعيا الى ايجاد حلول اكانت جزئية او شاملة، مشيرة الى انه بدا واضحا ان المطلوب بشكل اساسي حاليا اعادة تفعيل عمل الحكومة وتنفيس احتقان الشارع وتخفيف الضغط عن الوزراء وعن الرئيس سلام، رغم المخاوف من تسريبات الثامن من آذار عن اعتبارها الحوار محطة مركزية امام تكوين السلطة من جديد، من خلال الضغط لاعادة الاعتبار للحياة السياسية المواطنية وخاصة ان الشعب هو مصدر السلطات، خاصة ان حركة الشارع تتسارع بوتيرة اكبر واسرع من وتيرة السياسيين.
من جهتها اوضحت مصادر نيابية مقربة من الرئيس نبيه بري انه «في الظرف الحالي لا يجب ان نسأل ماذا سيقدم الحوار بل يجب ان نسأل من دون الحوار ماذا كنا سنفعل؟ او هل يجب ان لا نقوم بالحوار؟»، خاصة ان جميع ملفات دون استثناء حولها خلاف، قائلة «كي ينجح الحوار في الحد الادنى يجب الا نضع شروطاً وشروطاً مضادة»، مضيفة ان الاجواء الدولية والاقليمية تضغط من اجل اجراء الحوار لحل عدة امور تتخبط فيها المنطقة من سوريا الى اليمن، مشيرة الى الحوار الذي جرى بين ايران والدول 5+1، متابعة »من الافضل ان نتحاور بارادتنا، فخير ان نلتقي ولو بشكل جزئي من ان لا نلتقي أبداً، فمن المؤكد انه سيكون هناك امور مشتركة بين الافرقاء».
اوساط سياسية متابعة توقفت عند التقارير التي تحدثت عن مخاطر استمرار التحركات في الشارع، خصوصا في حال العجز عن الاستمرار في طاولة الحوار، لان ذلك سيؤدي حتما الى الانفجار الكبير في ظل الاوضاع الدقيقة والحساسة التي تمر بها المنطقة واجواء التشنج المرشحة للارتفاع، مع الاشتباك الدولي الروسي – الاميركي المستجد حول سوريا، كاشفة ان النتيجة الايجابية الوحيدة للطاولة لربما كانت في تسهيل انعقاد جلسة الحكومة اليوم لبت ملف النفايات في محاولة لاحتواء الحراك في الشارع واعادة ضبط الاوضاع، داعية في هذا المجال الى الانتباه لما يجري في بكركي، سواء من زيارة قائد الجيش لها والدلالات الكبيرة التي حملها كلامه من على منبرها، وهو ما دفع باحدى الشخصيات النيابية الرفيعة الى السؤال عما اذا كان قد طلب اذنا مسبقا من الوزير الوصي قبل الكلام عملا بالقوانين المرعية، او لجهة زيارة وفد حزب الله اللافتة بالتوقيت حيث جاءت لتشكل ضغطا واضحا باتجاه تسمية العماد عون للرئاسة.