رغم مرور شهر ونصف شهر على مبادرة الرئيس سعد الحريري لانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، والتي فتحت الباب أمام احتمال توفير الأكثرية المفقودة لهذا الاستحقاق، ما زال قصر بعبدا شاغراً وما زالت الصلوات تقام من أجل انتخاب رئيس.
ماذا يعني ذلك؟ هل دُفنت المبادرة قبل أن تُولد؟ أم أن ثمة تفسيراً آخر لهذه المراوحة؟
الجواب لدى مصادر وسطية متابعة بصورة يومية لحراك المبادرة في الكواليس أن الأخيرة ما زالت قائمة، لا بل أن المعنيين بها ومؤيديّها يتابعون بزخم العمل على ترجمة هذه المبادرة على أرض الواقع، ساعين كلّما ظهرت عقبة في الطريق إلى إزالتها، أو احتوائها على الأقلّ، بانتظار اكتمال ظروف النجاح.
أما منسوب التفاؤل بمصير هذه المبادرة فتعزوه المصادر إلى عاملين أساسيين:
الأول: قوة الدفع المتوافرة لها داخلياً وخارجياً، بوصفها مشروع تسوية بين فريقي 14 و8 آذار، رغم الاعتراضات في كل منهما، قادراً على تأمين الأكثرية المطلوبة لانتخاب رئيس، من جهة، ولكونها من جهة ثانية استقطبت تأييداً عربياً ودولياً واسعاً حتى قبل أن تعلن رسمياً.
والثاني: أنها المبادرة الأولى والوحيدة التي طرحت لإحداث خرق فعلي في جدار الفراغ، ذلك أن أحداً لم يطرح مبادرة مماثلة عملية وواقعية قادرة على كسر هذا الجدار، لا قبل مبادرة الحريري ولا بعدها. وهنا بيت القصيد برأي المصادر، باعتبار أن الاعتراض على هذه المبادرة لم يقترن، من أي معترض، ببديل يمكن أن يمثّل رديفاً لهذه الخطوة، وإنما البديل الوحيد الذي طُرح، ضمناً، من جانب كل المعترضين حتى الآن هو استمرار الفراغ، لا أكثر ولا أقلّ.
إذاً لماذا لم تصل المبادرة إلى خواتيمها المرجوّة حتى اليوم؟
تجيب المصادر نفسها أن السبب يعود إلى حجم «المفاجأة» الذي خلّفته هذه المبادرة في فريقي 14 و8 آذار والتي أحدثت صدمة لكليهما، ما يفترض مزيداً من الوقت لتمكين «المصدومين» من هضمها وبالتالي السعي إلى لملمة الصفوف سواء في 14 أو 8 آذار، تماماً كما بدا في أوساط الرابع عشر من آذار في الأسابيع الماضية حيث تم من خلال الحوار المستمر بين تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» وكل مكونات هذه الحركة احتواء تداعيات هذه المبادرة بالحدّ الأدنى والتوافق على بقاء 14 آذار موحّدة وإن اختلف طرفان اساسيان فيها على استحقاق معيّن.
وهذا ما سبق أن أكّده الرئيس الحريري في اتصالاته مع رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع وفي مواقفه السياسية، كما أكّده رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة في كلمته أول من أمس في ذكرى اغتيال الشهيد محمد شطح، مقابل تأكيدات مماثلة من جعجع ونواب «القوات» وقياداته.
لكن فصل لملمة صفوف 8 آذار لم يفتح بعد، كما تضيف المصادر، معلّلة ذلك بأن فتح هذا الملف مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون يحتاج إلى «توقيت»، كما أن البحث معه يحتاج هو الآخر إلى وقت. وتذكّر بأن انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية العام 2008 احتاج إلى سبعة شهور بعد التوافق على اسمه، مستدركة بأن ذلك لا يعني بالضرورة أن التوافق على فرنجية اليوم بحاجة إلى سبعة شهور مماثلة، ولكن ربّما الى شهر أو اثنين ريثما تنضج ظروف هذه المبادرة التي وضع النائب عون في وجهها مجموعة عوائق وقائية تجنّباً لمفاتحته بها من أي كان.
ولعلّ الصمت الذي أحاط بمواقف «حزب الله» وقيادته إزاء هذه المبادرة خلّف الكثير من الالتباس الذي يسعى عون إلى الاستفادة منه. ذلك أن بعض السياسيين والإعلاميين المناصرين للحزب يشنّون حملات شعواء ضد المبادرة. فيما يحتمل صمت «حزب الله» المطبق تفسيرين: الاول يميل إليه الجنرال ومفاده أن الحزب ما زال متمسّكاً بدعم عون لكنه محرج إزاء فرنجية بسبب تحالفه المزمن معه وتقديره لمواقفه، ما يدفعه إلى التزام الصمت من جهة، وإطلاق النار على هذه المبادرة من جهة ثانية عن طريق سياسيين وإعلاميين مقرّبين من الحزب.
أما التفسير الثاني فمفاده أن الحزب محرج إزاء عون بسبب التزام الأول المعلن والصريح على مدى شهور بدعمه، ما يضطرّه إلى الصمت لفترة من الوقت، فلا يعلن دعمه لفرنجية لكن الأهم أنه لم يعد يكرّر لازمة دعمه لعون، بانتظار إيجاد المخارج الملائمة التي تضمن انتخاب فرنجية رئيساً مع المحافظة على تماسك 8 آذار. هذا هو بيت القصيد وإنَّ غداً لناظره قريب.