كان المؤمل أن يمرّ «المختلط الأخير» الذي اعتمد النظامَين الأكثري والنسبي وفق قانون الدوائر الـ 13 بعد إعادة النظر في بعضها مراعاةً لهواجس عدة مشروعة. لكنّ ملاحظات الساعات الأخيرة «طيّرت» المشروع بعدما اصطدم واضعوه بخلافاتٍ جديدة لم تجد حلّاً بعدما طاولت للمرة الأولى دوائر الساحل الجنوبي. فما هي الظروف التي تسبّبت بتطييره؟
عند البحث في مسلسل مشاريع القوانين الإنتخابية التي عرضها أطراف «اللقاء الرباعي» أولاً، وتلك التي تبرّعت بها مجموعات أخرى سعياً وراء توحيد المعايير المعتمدة في التقسيمات الإدارية للدوائر الإنتخابية ونسب المختلط بين النظامين الأكثري والنسبي، كان الهاجس الأكبر لواضعيها تدارك مخاطر عرضها على المجلس الدستوري.
ذلك أنها لم تراعِ يوماً مبدأَي وحدة المعايير والمنافسة المتكافئة. وظهرت بقوة معايير أخرى اعتقد بعض الحريصين عليها أنّ من الممكن إمرارها بلا معارضة، فالعهد في بدايته وإنّ «مجموعة الأقوياء الأربعة» قادرة متى تفاهمت على أيّ قانون أن تعبر به في ساحة النجمة ولو بالتصويت من دون أيّ عوائق.
كان بعض أطراف اللجنة الرباعية يسعى الى توحيد «الأقوياء الأربعة» قبل السعي الى نيل رضى مَن يحتاجهم من خارج النادي لكنّ «الرياح جرت على غير ما تشتهيه السفن»، فتفكّك اللقاء واستقطب أطرافه حلفاء جدداً.
إما مراعاةً لمواقفهم وهواجسهم، وإما توجّساً ممّا كان سيقود اليه القانون الذي لم يوازن بين النظامين النسبي والأكثري، وافتقد نوعاً من «الغموض البنّاء» الذي يمكن من خلاله إبقاء «نكهة الإنتظار» في بعض الدوائر الإنتخابية لمعرفة مَن يمكن أن يفوز بها فحسمها سلفاً، إضافة الى ما تقصّد واضعوه من ضرب بعض الأطراف في الجبل والمدن الكبرى كالحزب التقدمي الإشتراكي و«المستقبل» والأحزاب والشخصيات السياسية المسيحية التي لم تشارك في «تفاهم معراب».
على هذه الخلفيات سعت الماكينات الإنتخابية الى ابتداع مشاريع أخرى وصولاً الى المشروع الأخير الذي كان موضع تشاور في لقاءات السراي الحكومي ووزارة المال الثلاثية التي جمعت «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» وحركة «أمل».
فقد تعمّد المشروع الجديد الحفاظ على دوائر القانون الذي أعدّه الوزير مروان شربل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع بعض التعديلات الجنوبية للمرة الأولى وفي جبل لبنان والشمال، واستوحى عند البحث في المناصفة بين الأكثري والنسبي ما قال به مشروع النائب علي بزي نيابةً عن الرئيس نبيه بري بالمناصفة بين النظامين 64 × 64.
وقبل الدخول في ثلاثة أسباب جوهرية أدّت الى نسفه في الأيام الأخيرة، فقد حرص المشروع على توحيد المعايير في الدوائر والتقسيمات التي أُعيد النظر فيها في بعض المحافظات، فعدّل مشروع شربل من 13 دائرة الى 12 دائرة، لئلّا تتكرّر تجربة العام 1996 عندما أسقط المجلس الدستوري القانون بسبب الخلل في التقسيمات الإدارية. فأصرّ المجلس النيابي يومها بعد ردّ القانون اليه بأنه سيعتمد في «شكله المختل» لمرة واحدة مع التعهّد بالسعي الى قانون جديد يتحاشى تكرار هذه الصيغة.
ولذلك أخذ المشروع الجديد بمشروع شربل، وأدخل تعديلات عليه ومنها:
– المناصفة في الدوائر في حال كانت المقاعد مزدوجة فتقسم مناصفة بين النظامين النسبي والأكثري، ففي دائرة البترون مثلاً: نائبان (أحدهما أكثري والثاني نسبي) وحيث المقاعد مفردة يتقدّم النسبي على الأكثري (دائرة عاليه: خمسة مقاعد: 2 أكثري و3 نسبي). وهكذا توصّل المشروع الى معادلة قاربت المناصفة بفارق مقعد واحد فاعتمد 63 مقعداً وفق النظام النسبي و65 وفق الأكثري.
– راعى المشروع الهواجس الجنبلاطية بضمّ الشوف وعاليه دائرة واحدة، وضمّ المتن الشمالي الى بعبدا في دائرة واحدة، وكسروان الى جبيل أيضاً، وراعى هواجس «المستقبل» في فصل المنية والضنية عن عكار وإلحاقهما بطرابلس، وضمّ كل من دوائر صيدا والزهراني وجزين وصور في دائرة واحدة.
وبناءً على ما تقدّم برزت الخلافاتُ في بنودٍ ثلاثة أساسية فتوقف البحث في القانون العتيد وظهرت المشكلات الثلاث وهي:
– على خلفية التغييرات الجنوبية وقع الخلافُ بين حركة «امل» و«المستقبل»، فتمسّكت الحركة برباعية الدوائر الجنوبية الجديدة وأصرّ «المستقبل» على ضمّ صيدا الى جزين كدائرة واحدة، والزهراني الى صور في ثانية منعاً لإستهدافه في بوابة الجنوب.
– تجلّى الخلاف الثاني عند توزيع المقاعد وفق المنطق المذهبي ما بين النسبي والأكثري فبرزت المشكلة في أكثر من دائرة مختلطة، ومنها على سبيل المثال في المتن الشمالي. ففي المتن 8 مقاعد ومن السهل تقسيم الموارنة الأربعة فتوزّعوا 2 × 2، وتوزّع المقعدان الأرثوذكسيان 1 × 1، فوقعت المشكلة ما بين المقعدين الروم الكاثوليكي والأرمني، فأيّ منهما يعتمد على النسبي أو الأكثري؟
والى هذين البندَين المختلف عليهما برز خلافٌ جوهري حول بند آخر تجلّى في مدى تأجيل الإنتخابات تقنياً أو سياسياً لا فارق. فالقانون سيلحظ التأجيل فأصرّ «المستقبل» على التمديد للمجلس الحالي سنةً كاملة الى ربيع 2018، وأصرّ الآخرون على التأجيل حتى أيلول المقبل فقط.
على خلفية هذه الأسباب الثلاثة التي لم تجد الإتصالاتُ حلّاً لها قيل أن المشروع انضمّ الى ما سبقه من المشاريع الهالكة تزامناً مع الحديث عن مشروع جديد يعدّه الوزير جبران باسيل ولن يُعلن عنه قبل الإثنين المقبل. فلننتظر!؟