بعد أن وافقت هيئة التشريع والاستشارات على توقيع عقد مصالحة بين وزارة المالية وشركة «ألفاريز» يسمح بحصول الأخيرة على 150 ألف دولار كتعويض عن إعاقة مصرف لبنان لعملها، رفض ديوان المحاسبة الموافقة على عقد النفقة لأن عقد التدقيق الجنائي وُقّع من دون الحصول على موافقته المسبقة. لذلك، لم يعد أمام وزارة المالية سوى طلب الحصول على موافقة استثنائية للسير بعقد المصالحة والدفع للشركة تمهيداً لتوقيع عقد جديد معها للتدقيق في حسابات مصرف لبنان. وبحسب المعلومات، فإن الموافقة الاستثنائية من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة، صارت بحكم المنجزة
لم تتوقف إجراءات إعادة إحياء التدقيق الجنائي يوماً. لكن ذلك لا يعني أنها تسير بشكل طبيعي. البطء الشديد لا يؤشر إلا إلى مماطلة متعمدة. مع ذلك، فإن الخبر الإيجابي يبقى أن شركة «ألفاريز ومارسال» قد وافقت، بعد كثير من التشدد، على توقيع عقد جديد، كما وافقت على التراجع عن مطلب الحصول على قيمة العقد مسبقاً. لكن ما لم تتراجع عنه هو طلبها الحصول على مبلغ 150 ألف دولار هي قيمة البند الجزائي الذي تضمنه العقد الأول (31/8/2020) في المادة الثانية منه، والذي فسخته في 17 تشرين الثاني 2020، معتبرة أنها لم تحصل على المعلومات التي تخوّلها البدء بعملية التدقيق. حينها أرسلت الشركة فاتورة إلى وزارة المالية تطلب فيها 178.950 ألف دولار (150 ألف دولار تُحوّل إليها زائد طوابع وضريبة على القيمة المضافة وضريبة على الدخل).
وبالرغم من محاولة وزير المالية ثني الشركة عن المطالبة بهذا المبلغ، على اعتبار أن الدولة بصدد توقيع عقد جديد معها بقيمة تصل إلى 2.7 مليون دولار، إلا أن «ألفاريز» أصرّت على تنفيذ العقد السابق، ودفع المبلغ المستحق، قبل توقيع أي عقد جديد.
وبناء على ذلك، نظمت وزارة المالية عقد مصالحة، تدفع بموجبه الدولة 150 مليون دولار، على أن تتنازل الشركة عن كل حق أو مطلب يتعلق بموضوع المصالحة.
وفقاً للأصول، عرض العقد على هيئة التشريع والاستشارات، التي أصدرت استشارة في 17 تموز الماضي، أكدت فيها إمكانية السير بمشروع المصالحة، عملاً بالاتفاقية الموقّعة في 31 آب 2020، واستناداً إلى المادة 1035 من قانون الموجبات والعقود التي تشير إلى «التساهل المتبادل في الحقوق التي يصحّ الصلح فيها منعاً لحصول نزاع».
رئيسا الجمهورية والحكومة يُصدران مرسوماً استثنائياً لتغطية قيمة عقد المصالحة مع «ألفاريز»
تجدر الإشارة إلى أنه سبق للهيئة أن تطرقت إلى المسألة في استشارة سابقة (14 حزيران الماضي)، أصدرتها رداً على طلب الوزارة رأيها بمسودة العقد الجديد والتعديلات التي طلبتها الشركة. حينها أوضحت الهيئة أنها غير قادرة على إبداء الرأي بشأن مسألة التعويض، أولاً لأنها لم تطّلع على كتاب الإنهاء المرسل من قبل الشركة، وثانياً لأنها ليست في موقع يخوّلها التحقق مما إذا كانت فعلاً المستندات التي جرى تسليمها إلى الشركة تكفي أو لا تكفي للبدء بمهمتها. لكنها مهدت للموافقة على العقد، عبر إشارتها إلى أنه «إذا رأت وزارة المالية أن ما تدلي به الشركة هو في موقعه الصحيح وأن المستندات التي سُلّمت إليها لا تكفي فعلاً لقيامها بعملها، فإنه لا حاجة إلى منازعة الشركة بالنسبة إلى هذا المبلغ».
بناء على هذا الموقف، عادت الهيئة ووافقت على عقد المصالحة. وعلى الأثر، صدر مرسوم استثنائي، في 30 تموز، لنقل اعتماد من الموازنة العامة إلى موازنة وزارة المالية، بقيمة 269.767 مليون ليرة، «لزوم عقد مصالحة مع شركة ألفاريز ومارسال وفقاً لرأي هيئة الاستشارات والتشريع»، موقعاً من الرئيسين ميشال عون وحسان دياب والوزير غازي وزني.
لم يتبق سوى تنفيذ العقد ودفع المبلغ المتفق عليه. ولذلك، أحاله مراقب عقد النفقات في وزارة المالية إلى ديوان المحاسبة، في 2 آب الحالي، لإجراء الرقابة المسبقة بشأنه، مشيراً إلى أن الاعتماد المطلوب مؤمّن في مشروع موازنة وزارة المالية لعام 2021 (بموجب مرسوم النقل من الاحتياطي). وبعد درس الملف، أصدرت الغرفة المعنية في الديوان، والتي ترأسها القاضية نيللي أبي يونس وتضم المستشارتين رانية اللقيص ونجوى الخوري، قراراً، في 3 آب، قضى برفض عقد المصالحة، للأسباب التالية:
– عدم عرض العقد الأول على الرقابة المسبقة للديوان قبل توقيعه (عُرض العقد بعد توقيعه فرفضه الديوان).
– يتعارض العقد مع ما استقر عليه اجتهاد ديوان المحاسبة الذي أكد الطابع الجوهري والإلزامي للرقابة، بما يؤدي إلى بطلان عقود النفقة التي أجريت خلافاً للقواعد والأصول، والتي لا يصح عندها القول بصرف هذه النفقات على سبيل التسوية لأن هذه المادة تشترط أن تكون تلك النفقة قد عقدت وفقاً لأحكام القانون.
– لم يتبين للديوان الأصول التي اعتمدت لاختيار الشركة وكيفية تحديد الكلفة الإجمالية، والأصول المعتمدة للاستلام ومحاسبة الشركة عن الأعمال المنفذة.
ديوان المحاسبة يرفض الموافقة على نفقة محددة في عقد لم يحصل على الموافقة المسبقة
– لم يترتب المبلغ المصالح عليه نظير خدمات قامت بها الشركة المذكورة وجرى استلامها من قبل الإدارة، كما لا يمكن اعتبار الإدارة أثرت على حساب الغير، وفق المعطيات المطروحة. ما يعني أن المبلغ المطلوب بمثابة تعويض قد سبق تحديده من قبل طرفي الاتفاقية نظير إخلال الدولة بالتزاماتها التعاقدية المتعلّقة بتوفير وتأمين المعلومات الكافية لاتخاذ قرار بدء التدقيق الجنائي.
أمام هذا الموقف المتوقع من ديوان المحاسبة، نظراً لعدم موافقته سابقاً على العقد، وبعد تعذّر الدفع للشركة، بالرغم من توفّر الاعتمادات، كان يفترض بوزارة المالية عرض الخلاف على مجلس الوزراء للبت به. لكن في ظل حكومة تصريف الأعمال، طلبت الوزارة من رئاسة الحكومة، أمس، الموافقة الاستثنائية على السير بعقد المصالحة وبإجراءات دفع المبلغ المستحق للشركة. وبحسب المعلومات، فإن رئاسة الجمهورية وافقت على توقيع هذه الموافقة وكذلك فعلت رئاسة الحكومة. ذلك سيفتح الباب أمام دفع المبلغ المطلوب من الشركة، كما يسمح بالافتراض أنه سيؤدي إلى تذليل العقبة الأخيرة أمام توقيع عقد جديد مع «ألفاريز»، إلا إذا برزت عقبات جديدة، إن كان قبل توقيع العقد أو بعده.
استنزاف مهلة رفع السرية المصرفية: التدقيق الجنائي لم يعد ممكناً؟
امتهان تضييع الوقت والمماطلة في إعادة إحياء التدقيق الجنائي ليس بريئاً. من يهدر الوقت يدرك جيداً أنه لم يبق سوى أربعة أشهر من مهلة السنة التي ينص عليها قانون تعليق أحكام السرية المصرفية بهدف إجراء التدقيق الجنائي (حتى نهاية العام). وأربعة أشهر تعني عملياً أنه لم يعد ممكناً إجراء التدقيق من دون تمديد جديد للمهلة. فالعقد الجديد لم يوقّع بعد، والتوقيع قد يحتاج إلى أسابيع. بعد ذلك يفترض أن يقدّم مصرف لبنان المعلومات المطلوبة منه خلال أسبوعين. وبالنظر إلى التجربة السابقة، فإنه لا شيء يضمن أن يلتزم المصرف بالمهلة. حتى لو التزم، فإن العقد يعطي الشركة مهلة 12 أسبوعاً لتقديم تقريرها الأولي منذ لحظة بدء عملها على التدقيق في ما حصلت عليه من معلومات. وحتى قبل الحديث عن التقرير النهائي، فإن مهلة رفع السرية المصرفية ستكون قد انتهت. وفي حال تبين أن الشركة بحاجة إلى معلومات إضافية، فإن المصرف سيكون جاهزاً للتذرع بالسرية المصرفية مجدداً لرفض تسليم أي معلومة. المطلوب حينها تمديد المهلة، أي اجتماع مجلس النواب لإقرار قانون جديد. هل ذلك ممكن؟ كل المؤشرات تؤكد أن حزب المصرف، الذي «تساهل» في المرة السابقة ووافق على رفع السرية بعد تلغيمها بالتدقيق بالتوازي في كل مؤسسات الدولة، سيحرص هذه المرة على تفجير التدقيق من دون قفازات.