كثرت الخطابات الرنانة في المجلس النيابي خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري، خطابات أظهرت النواب ملائكة تعمل ليل نهار لأجل خدمة المواطن وحماية المال العام. تحدث النواب عن مسألة محاربة الفساد، التي أصبحت محور اهتمام كل خطيب يريد أن يُشعل وسائل التواصل الاجتماعي تصفيقا لكلامه، ولكن ماذا عن الافعال؟
شهدت جلسات الثقة سجالات حادة بين بعض النواب لأسباب سياسية، وهذا ما لا يمكن أن يكون جديدا كون الجلسات السابقة شهدت سجالات مماثلة، ولكن اللافت في الجلسات الحالية «نظم القصائد» حول الفساد، دون أن يضع أحد إصبعه على ملف واحد، بل كل الخطابات كانت تدور حول الشبهات، مع العلم أن الملفات واضحة وضوح الشمس، اذ لم يعد يخجل الفاسدون من ممارسة فسادهم واحتيالهم على مرأى الجميع، بما يوحي في مكان ما أن الكل يستفيد من فساد الدولة اللبنانية بمكان ما.
تثمن مصادر نيابية ما جاء على ألسنة النواب ومنهم عضو كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله، مشيرة الى أن خطاب فضل الله ليس جديدا بل سبق له أن اعتمد نفس الأسلوب في خطابات سابقة، لم يتغير شيء بعدها، الامر الذي لن يتكرر، كاشفة عن تفاعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع كلمة فضل الله وطلبه من وزير المال التعاطي الجدي معه، الأمر الذي ستظهر نتائجه قريبا.
تدرك المصادر النيابية ان «الفساد» له أذرع وأرجل، وعقول مدبّرة، وخيوط متشعبة كثيرة، وأن العمل على محاربته يحتاج جهدا لسنوات، لافتة النظر بنفس الوقت الى أن البداية بهذه الحرب يجب أن تكون من مكان ما، خصوصا بعد أن فشلت وزارة الدولة لمكافحة الفساد من أن تبدأ.
تٌقسم المصادر النيابية الفساد في لبنان الى قسمين، الأول مستور، والثاني مكشوف، مشيرة الى أن البداية يمكن أن تكون من القسم الثاني، ومن خلال فتح ملفات العقود بالتراضي، والمناقصات الوهمية، ومخالفة قوانين البناء واستباحة الملك العام، مع العلم أن هذه الملفات شاخصة امام الجميع، واضحة، جلية، لا يمكن لظلام ليل دامس أن يخفيها، فلماذا لا يقوم النواب بمقاربة هذه الملفات بوضوح، ولماذا لا يقوم الوزراء بتسمية الأمور بأسمائها.
وتسأل المصادر عن ملف التوظيفات التي حصلت إبان مرحلة الانتخابات النيابية، ولماذا يتم التعاطي مع هذا الملف كأمر مُبهم، مشيرة الى أن الجميع بمكان ما استفاد من هذه التوظيفات، وبالتحديد تيار المستقبل الذي استعمل هيئة أوجيرو كمخزن للموظفين، مشددة على أن محاربة الفساد لا تعني التحدث بهذا الملف جهارا بل فتحه وإلغاء هذه التوظيفات، واقرار اقتراح القانون الذي ينص على حصر التوظيف في الدولة اللبنانية بمجلس الخدمة المدنية، أي الاقتراح الذي تقدمت به كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة، في الجلسة التشريعية الماضية وتم إسقاطه بالتصويت.
وفي سياق المعارك الكلامية عن محاربة الفساد، لا يمكن الا التوقف عند الخطوات العملية التي باشر البعض القيام بها، ومنهم حركة أمل وحزب الله، اذ تكشف مصادر مطلعة أن الفريقين باشرا نهاية العام الماضي تنفيذ ما وعدا به سابقا لناحية الالتزام بالكفاءة معيارا للتوظيف، مشيرة الى أن المسؤولين في الحزب والحركة وفيق صفا وأحمد بعلبكي أبلغا المعنيين بمباراة توظيف «رقيب متمرن ودركي متمرن» في قوى الأمن الداخلي، أي عماد عثمان ونهاد المشنوق، انهما لا يريدان حصة مماثلة لحصص باقي الأحزاب السياسية، وانهما يريدان اعتماد الكفاءة كمعيار أول وأخير لملء الحصة الشيعية والتي تقدر بنحو 400.
لا تخفي المصادر أن العادة جرت سابقا بأن يكون لكل حزب كبير حصة في توظيفات مماثلة، ولكن حزب الله وحركة أمل قررا كسر هذه العادة هذه المرة وفي كل مرة لاحقة وفي كل الوظائف، لسببين اثنين، الأول تطبيقا لمبدأ «إن أردت الاصلاح والنصح فإبدا بنفسك»، والثاني لأن حجم المتقدمين للوظائف من الشيعة أصبح ضخما لدرجة بات من المستحيل إرضاء الجميع، ففي مثل هذه الوظيفة مثلا تقدم ما يقارب الـ 20 ألف شيعي لإجراء الامتحانات التي جرت أواخر الصيف الماضي.
وتكشف المصادر أيضا أن هذا القرار جعل البعض يفكرون باقتطاع قسم من الحصة الشيعية لضمها الى حصتهم، فكان أن قُوبل الأمر برفض كامل وقاطع، خصوصا وأن هدف الفريق الشيعي هو بناء الدولة العادلة، لا ضرب الحصة الشيعية في وظائف الدولة لأجل حسابات البعض الشخصية.
من يريد الإصلاح فلن يجد مناصا من اللحاق بقرار حزب الله وحركة أمل، ومن يريد الإصلاح عليه أن يبدأ من مكان ما لكي لا يستمر في نسخ الخطابات الرنانة فقط. فهل تكون الحكومة المقبلة قادرة على خوض غمار هذه الحرب أم انها ستكون مشابهة لسابقاتها؟