Site icon IMLebanon

«أمل» و«حزب الله» أقوى لاعب إنتخابي

مِن حظّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ هناك انتخابات نيابية بعد أشهر قليلة. فالقوى السياسية كلها تعتبر أنّ المعركة الانتخابية قريبة، وأنها قد تغيِّر المعادلات، فلا بأس في التسهيل لحكومة العمر القصير!

يتحرّك الجميع اليوم بناء على اعتبارين متناقضين:

– الأول، هو أنّ كل طرف يسعى إلى الفوز بـ«الكباش» من أول الطريق لتكريس موقع قوي له طوال السنوات الست من العهد.

– الثاني، هو أنّ القوى السياسية وافقت على إمرار التسوية حول الحكومة في الحدّ الأدنى من المكاسب، لأنّ الحساب الحقيقي آتٍ بعد أشهر، أي في الانتخابات النيابية التي يمكن أن تفرز وقائع جديدة تُبنى عليها التوازنات لأربع سنوات مقبلة، أي لغالبية ولاية عون.

لذلك، هناك حدٌّ معيّن من «التخابُث السياسي» يميّز سلوك الجميع. و»التواضع» الذي يُبديه هذا الطرف أو ذاك في القبول بالحصة أو حجم التمثيل في الحكومة مَردُّه إلى أنّ الجميع يعتبر الحكومة الحالية مجرد محطة انتقالية مدتها بضعة أشهر، وهي ستنتهي بالانتخابات، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

لذلك، ليست تركيبة الحكومة الحالية هي الهاجس الأول عند عدد من القوى، بل تركيبة المجلس النيابي المقبل الذي هو مصدر السلطة والذي سيتحكم بغالبية ولاية عون. ومن هنا، إنّ التساهل الذي أظهرته القوى السياسية إزاء تركيبة الحكومة لا يمكن أن يحصل في قانون الانتخاب.

الملاحظة الأولى البارزة في ملف الانتخابات هي الآتية: ليست هناك مشكلة لدى «الثنائي الشيعي» في أي قانون يُعتمد، وفي أي نظام، نسبياً كان أم أكثرياً. فالواقع الجغرافي ـ الديموغرافي يصون الدوائر الشيعية من الخرق بنسبة عالية، عدا عن حصرية التمثيل التي تدعمها آليات يَتفَرّد بها «حزب الله» عن سائر القوى في لبنان.

فـ«الثنائي الشيعي» يضمن التمثيل الشيعي بغالبية مريحة جداً، أيّاً كان القانون الذي يُعتمد. وهذا الواقع الشيعي لا يماثله واقع أي فئة مذهبية أو طائفية أخرى. وما يريده «الثنائي» من معركة قانون الانتخابات هو أن يضمن أرجحية له في الساحات الأخرى، المسيحية والسنّية والدرزية.

لو كان رئيس مجلس النواب نبيه بري و«الحزب» «ينشغل بالهما» على الدوائر الشيعية لكانا مع النظام الأكثري الذي يشكّل «محدلة» تطيح أيّ منافس لهما. لكنهما فعلاً يريدان من النسبية أن تحقّق خروقاً وافرة لمصلحة حلفاء «حزب الله» في البيئات غير الشيعية كافة.

وهذا الواقع يُقلق تيار «المستقبل». لكنّ رئيس الحكومة سعد الحريري يُدرك أنه عائد إلى أرضٍ ليس ميزان القوى فيها لمصلحته. ففي غيابه، باتت المعادلة الداخلية والإقليمية أكثر اختلالاً لمصلحة الخصوم. ومشكلة الحريري أنه مضطرّ إلى الحدّ من خسائره في حوار عين التينة الذي يرعاه بري، والذي يُراد له أن يكون «المطبخ» الأول لقانون الانتخاب، قبل عرضه على المسيحيين.

إذاً، وفيما يبحث الحريري عن سبيل لاستعادة الساحة السنّية، ولَو بغطاء الواقعية، وفيما النائب وليد جنبلاط يتلقّى التطمينات، رَضي «الثنائي الشيعي» بالحدّ الأدنى من المكاسب في الحكومة، لأنه يُصوِّب على الحدّ الأقصى من المكاسب في الانتخابات.

وأمّا المسيحيون فمشكلتهم من نوع آخر، إنها مشكلة ذات طبيعة استراتيجية فعلاً، لأنها تستهدف تصحيح الخلل المتمادي في تركيبة الحكم منذ الطائف.

فـ«القوات اللبنانية» تنظر إلى مشاركتها في الحكومة بهذا الحجم، للمرّة الأولى، في اعتبارها خطوة أولى نحو تصحيح الخلل. ولا بدّ من استكمالها بعد الانتخابات، وعلى امتداد عهد عون. وربما ينسجم «التيار الوطني الحر» مع نظرة «القوات» بدرجات وأشكال مختلفة، خصوصاً إذا خاض الطرفان معركة الانتخابات بالتحالف.

لكنّ أجواء «الثنائي الشيعي» تتعاطى مع التمثيل «القواتي» في الحكومة الحالية بصفته أمراً واقعاً فَرضته ظروف التسوية الرئاسية وإصرار عون على مراعاتها، وليس حتمياً أنه سيتكرّس في حكومات ما بعد الانتخابات. وفي أي حال، تبدو صورة التمثيل المسيحي في الحكومة المقبلة رهناً بنتائج الانتخابات.

في الخلاصة، الجميع يتوعّد الجميع بانتهاء «المرحلة الانتقالية» الحالية والانتقال إلى مرحلة الحسم، ويعدّ العدّة للمنازلة الكبرى في الانتخابات النيابية:

المسيحيون يمتلكون سلاح تحالف ـ للمرة الأولى ـ قد يوفّر لهم نحو 50 نائباً إذا تمّ استخدامه في الانتخابات. والسنّة يمتلكون سلاح التوازنات المذهبية المعروفة التي يصونها منطق «التحالف الرباعي». والشيعة يمتلكون أقوى الأسلحة: التماسك والنفوذ… والنسبية. وهناك طرف سيكون له حضوره على الأرجح هو هيئات المجتمع المدني التي سيكون دورها مرهوناً بالقانون الذي سيُعتمد.

البعض يقول: أساساً، يَضْمن «حزب الله» نصف المسيحيين لمجرد أنه متحالف استراتيجياً مع «التيار الوطني الحر». فهل يظنّ أحدٌ أن عون سيخرج من هذا التحالف بمعناه الاستراتيجي؟

وأيّاً تكن صيغة الانتخابات المنتظرة، في أوائل الصيف أو أواخره، فإنّ الطرف الشيعي يبقى الأكثر اطمئناناً. وأمّا الآخرون فسيتداركون ما أمكن من مكاسب متبقية.