IMLebanon

«أمل» و«التقدمي» وزمان الوصل

الحملة على الفساد في لبنان خارج السياق الوطني العام، لا تستقيم مع يوميّاتنا. نحن في بلد يشرع مجلسه الدستوري تشليع الدستور، ويحتكر نوابه البرلمان بوكالات منتهية الصلاحية. ووزارته مكاتب خدمات خاصة، وقبل الغذاء والدواء. بلد هذه بعض مزاياه، يصدمك بالحملة على الفساد. قيل إنّ للحملة أسباباً سياسيّة، كأن تلهي اللبنانيين عن التمديد النيابي، أو أزمة كرسي الرئاسة الشاغر، أو ما يجري في سوريا أو في قضية العسكريين المخطوفين. أسباب غير مقنعة. اللبناني، وبالتجربة، بات غير معنيّ بالشأن العام إلا بقدر ما يطال طائفته. لا حاجة لإلهائه إذاً.

في ظل هذا الاهتراء العام، تأتي حملة وزير الصحة، وهي، للمناسبة، حقّقت نجاحاً لافتاً. هناك ما يشبه حال الطوارئ في القطاعات المعنيّة بالغذاء. أصحاب المطاعم قلقون، باتوا يرون في كل زبون مفتشاً لوزارة الصحة. صار اللبناني بين ليلة وضحاها، خبيراً في التغذية والتوضيب والتغليف والحفظ والنقل، وعارفاً بتحليل نقاط التحكّم الحرجة في سلامة الغذاء.

فجأة تنتقل الحملة إلى وزارة المال! الوزارة تثير مشاعر سلبية بين اللبنانيين. تذكرهم بالضرائب والعمولات والسمسرات.. و»الفيتو» على زيادات الرواتب. واليوم، ومن دون سابق إنذار، يفتح وزير المال «مغارة» الدوائر العقارية.

الحملة جميلة. مهلاً، بطلا الحملة: واحد من «الحزب التقدمي الاشتراكي» والثاني من حركة «أمل». آخر مرة تصدّى التنظيمان فيها لقضية معاً، كانت في حرب العلمين في شوارع بيروت العام 1986. ذروة مكافحة الفساد التي تتدرج من المرافئ الخاصة على طول الساحل الوطني في «الغربية»، إلى الإدارة المدنية و»أودية الذهب».

من الطبيعي ألّا يكون المرء أسير ماضيه، ويحق له أن يتغير، وأن يطلب العفو، بعد تحقيق العدالة وتطبيق القانون، وإنصاف الضحايا. والأهم أن يتنحى عن السلطة إفساحاً في المجال أمام جيل من الخط نفسه أكثر طهراً وشفافية. هل يرجو الناس خيراً بحملة ضد الفساد على رأسها «التقدمي» و»أمل» بتراثهما المشترك؟ التجربة غير سارة. لا يعقل ألّا ينتج اللبنانيون قيادات أخرى طوال العقود الأربعة الماضية. لا يعقل ألّا تطبق العدالة باسم قانون العفو الذي ضرب مرتين، في قضية المدان بحكم مجلس عدلي سمير جعجع، ومن غير المعقول أن تطمس آلاف الجرائم باسم السلم الأهلي، ويبقى مرتكبوها أو الأحزاب التي أفرزتهم، يكافحون الفساد.

بعض اللبنانيين يقول إنّ سقف الحملة على الفساد: استبدال منتفعين بمنتفعين جدد. قد يكون الكلام هذا من باب الافتراء، لكنه لا ينفي أنّ اللبنانيين يستحقون إدارة أفضل. فحال اللبنانيين مع الحملة على الفساد تذكر بالقصة التالية: يُقال إنّ صاحب ملهى ليلي تراجعت أعماله، فغير الديكور والستائر وحسّن الإضاءة وخفّض الأسعار. ولكن الإقبال على ملهاه لم يتحسن، فسأل زبوناً قديماً: لماذا ما زلت ممتنعا عن ملهانا؟ أجاب: نريد تغيير الراقصات لا الديكور.