بالدم، دخلت حركة أمل المواجهة ضد العدو الإسرائيلي على الحدود الجنوبية. في غضون أربعة أيام، زفّت الحركة خمسة شهداء سقطوا في غارات معادية على نقاط متقدّمة انتشروا فيها في بلدتَي بليدا وبيت ليف. قبلهم، استشهد الحركي علي داوود بغارة في بلدة ربّ ثلاثين. لم تكد أمل تنتهي من تقبّل التبريكات بشهيدَي بليدا مصطفى ضاهر وعلي محمد، حتى انضم إلى القافلة أمس الشهداء حسين عزام وحسن سكيكي وجعفر إسكندر. على غرار رفيقهم داوود، لا يتحدّر الشهداء الثلاثة من البلدات الحدودية، وهم جزء من «أفواج حركية» تنادت من البقاع وبيروت والجنوب «لتلبية الواجب الجهادي والوطني دفاعاً عن لبنان والجنوب».منذ اليوم الأول للعدوان، انتشرت مجموعات حركية على طول خط المواجهة، رغم أن قيادتها لم تكشف علناً عن عملياتها ضد إسرائيل. لكنّ مواجهة جبانة بليدا في وجه موقع بياض بليدا المعادي، خلال تشييع ضاهر ومحمد أول من أمس، والتي استحضرت الانتفاضات الشعبية في وجه الاحتلال في النبطية ومعركة ودير قانون النهر… فرضت إعادة ترتيب المشهد. ليلاً، وجّه الرئيس نبيه بري تحية إلى «جماهير أفواج المقاومة اللبنانية»، مؤكداً أن الحركة «أمام حزب الله في الدفاع عن كل حبة تراب من لبنان، ولكن في هذه المعركة ضمن إمكاناتها العسكرية». مع ذلك، تؤكد مصادر حركية أن سقوط الشهداء عزّز اندفاعة عشرات المنتسبين والمؤيدين لطلب الالتحاق بالجبهة. مع ذلك، تلتزم قيادة «الأفواج» بسقوف معيّنة، من مواصفات العسكر إلى شروط الميدان وفصل الساحات.
في أحد مراكز أمل الأمامية، التقينا بأحد المسؤولين الميدانيين المعنيين بالمواجهة العسكرية. بين صور الإمام موسى الصدر وبري، تتوزّع الأجهزة اللاسلكية التي تربط المركز بغرفة العمليات لتنسيق عمل الميدان: القوة الصاروخية والوحدة البحرية ومجموعات الرصد والمرابطة وتأمين المؤن والذخيرة… لا يجد المسؤول في تغييب حضور أمل العسكري جنوباً، مؤشراً سلبياً، بل قراراً قيادياً توجبه طبيعة العمل. فيما البعض يربطه بازدواجية دور الحركة السياسي والميداني، مستعيناً بشعار بري: «المقاومة السياسية والدبلوماسية جزء من المقاومة العسكرية».
يقول القيادي إن «حضورنا في خط الدفاع الأول والثاني بديهي. الإمام الصدر أسّس الحركة عام 1974 لمواجهة إسرائيل الشر المطلق، مقرناً الانخراط بمعركة تحرير الأرض والدفاع عنها، بفتوى شرعية». ويستعيد دور أمل في عدوان تموز 2006، عندما «شارك مقاومونا في التصدي لتوغل جنود العدو، وسقط لنا شهداء منهم بطل مواجهات مارون الرأس الشهيد هاني علوية»، مؤكداً أن «جهوزيتنا في هذه المواجهة أكبر. قبل 17 عاماً باغتنا العدوان، لكننا استخلصنا الدروس وأعددنا العدّة لأي معركة مقبلة». وأضاف: «في السنوات الأخيرة، تكثّفت التحضيرات التي كُشف عنها في بعض الأحيان كالمناورات الحية التي نُفذت في مرجعيون وبنت جبيل وصور والنبطية. مناورات حاكت حرب المدن والشوارع للتصدي للجيش الإسرائيلي جنوباً وليس للوضع الداخلي».
تغييب الحضور العسكري توجبه ازدواجية دور الحركة السياسي والميداني
لا يربط القيادي المعركة الحالية بأي مواجهة إقليمية أخرى: «إذا اعتدى أحد على منزلي وأرضي، سأتصدى له». تتباين معركة أمل عن معركة حزب الله، رغم قتالهما معاً: «نختلف معه في الرؤية العسكرية والإستراتيجية. هو مع وحدة الساحات في محور المقاومة ونحن مع وحدة أراضي الجنوب ولبنان. في بيانات نعي شهدائنا، نربط شهادتهم بالدفاع عن الجنوب ولبنان». وعلى صعيد العمل العسكري، أكّد أن «وحداتنا على جهوزية، لكنّ التركيز في حال دخلت اسرائيل برياً»، ملمّحاً إلى عمليات محدودة تصدّت لمحاولات جنود العدو الاقتراب من الحدود.
في أسباب تحديد السقوف العملانية، ألمح القيادي إلى «الالتزام بالقرار 1701 والعمل ضمن الأراضي اللبنانية»، وهو ما انعكس «عدم استخدام القوة الصاروخية رغم وجود رماة ماهرين وحيازتنا صواريخ نوعية. لا نرى أن المعركة بشكلها الحالي بحاجة إلى استخدام القدرات التي نمتلكها». لذلك، فإن من سقط من شهداء حتى الآن «على طريق الجنوب ولبنان» هم من «وحدات المرابطة والرصد. متطوعون، منهم الموظف والنجار وأستاذ المدرسة وصاحب الإكسبرس». يجزم القيادي بأن «العسكر المرابط على الثغور منذ أربعة أشهر، لا يتقاضى أي بدل مالي. بعضهم يحضر طعامه وحاجاته من منزله. وبعضهم خسر عمله لانشغاله في الجبهة وآخرون رفضوا أخذ استراحة»، مؤكداً أن «شروطاً مشدّدة» تُفرض على المقبولين في الجبهة، ويؤخذ في الاعتبار وضع المقاتل الاجتماعي والعائلي وتأهيله الفكري والثقافي والديني، إذ «ليس المهم أن يحمل البندقية، بل أن يحمل فكر المواجهة. أما التدريب، فمحلي على يد شبابنا، والسلاح الذي نمتشقه دفعنا ثمنه كحركة من جيوبنا».