القدر حليف حقيقي لقوى آذار في لبنان. لكن ليس في كل اتجاه. هذه المرة، جاءهم الدعم بغير ما يشتهون. هي المرة الأولى التي يمارسون فيها دورهم الحقيقي: الانتظار ريثما يأتي الفرج.
في مشاهد سابقة، لعبت قوى كثيرة أدواراً في لبنان وسوريا وفلسطين. حملت السلاح وأرسلت الأموال، واستقبلت شخصيات وقوى، وتم إشراكها في لقاءات واجتماعات مختلفة. وللإنصاف، لم تكن طوال الوقت متلقية للأوامر (وربما هذا ما تسبب بخسائرها المتلاحقة). لكن حالها اليوم، إزاء المشهد اليمني، يعيدها الى حيث هي فعلياً، الى موقع المستمع والمنصت والمنتظر، لكن، مع استمرار حفظ حقها في التأمل والأحلام.
ما يحصل اليوم ربما يعكس فضيحة حقيقية بالنسبة إلى جمهور هذه القوى. ورغم أن العصبية قاتلة للعقل عند غالبية هذا الجمهور، إلا أن حقيقة الأمر تفرض نفسها على الجميع.
منذ زمن غير قصير، يظهر لبنان في حالة ارتباط بما يجري في المنطقة من حولنا. لكنه لم يكن شديد التأثر بأزمة في ليبيا أو السودان أو حتى في العراق. أما أن يصير لبنان متأثراً، وبقوة، بما يجري في اليمن، فلهذا أسبابه. وهي بالتأكيد لا تتعلق بهوائيات وليد جنبلاط، ولا ببهلوانيات سعد الحريري، ولا بالعقل العسكري الفذ لسمير جعجع. هي أسباب تتصل بكون «الأب الراعي»، أي نظام آل سعود، يخوض معركة «وجودية في جنوب الجزيرة». لكن هناك سبباً آخر، يتعلق بكون خصم 14 آذار الرئيسي، أي حزب الله، لاعباً مؤثراً في الأزمة اليمنية.
في هذه الحالة، احتاج فريق 14 آذار من جديد الى «يسارييه السابقين»، من دون تجاهل حاجتهم أيضاً الى «مولانا» رضوان السيد، لإعطائهم دروساً عن اليمن: أين تقع هذه البلاد، وكم عدد السكان، وما هو نظام الحكم فيها، من هم الحوثيون، وماذا تعني الزيدية، وما الفرق بين الشوافع والوهابيين. هي دروس مملة للمتقاعدين من ثوار الأرز، لكنها ضرورية إن هم قرروا تلبية «نداء الواجب» والخروج دفعة واحدة على المنابر دفاعاً عن «انتفاضة المملكة السعودية عن العروبة في مواجهة الغزو الفارسي».
فجأة تعطلت هوائيات جنبلاط وغاب العقل العسكري لجعجع والتحق الباقون بدرس خاص عن اليمن
لكن دقة المعركة وحساسية الموقف، وكثرة الأحداث وتسارعها، لا تتيح لهؤلاء ترف الدلع والتأمل، ما جعل سفير آل سعود في لبنان، يضطر (حتى ولو لم يرغب) الى تولي الدفة. سعد الحريري ليس هنا، وهو لا يفيد كثيراً في هذا الملف، والباقون لا يمكنهم قيادة المعركة. وطالما أن «الشبيبة» لهم تاريخ في تلقي الأوامر والتنعم بالوصاية، فلن يصابوا بالسأم. عدا عن أن السفير وصيّ من نوع لذيذ وخاص. وهو يدفع مسبقاً إن لزم الأمر.
هكذا، وخلال أيام قليلة، انكشف هذا الفريق ومعه بقية اللبنانيين على مشهد مختلف عن كل ما عرفوه سابقاً. صار المندوب السامي، وحده، يواجه من يقف بمواجهة أسياده في مملكة القهر. فماذا سيقول الجهابذة لصبيتهم؟
طبعاً هناك سجال سيظل مفتوحاً. لكن من زاوية لبنانية ضيقة، من المفيد الانتباه ومراقبة سفير الوصاية الجديدة (التي ستظل مقتصرة على فريق 14 آذار). فهو لا يكتفي بدعوة «نظرائه» الخليجيين و»أصدقائه» اللبنانيين الى لقاءات تشاورية، وإن كانت الدعوة الى سفارة آل سعود باتت مثل مذكرة الجلب. بل انتقل الى مرحلة الدعاية الإعلامية المباشرة لتغطية الجرائم، من دون نقاش حول نتائج العدوان من قبل الإعلاميين اللبنانيين. وإذا كانت الزميلة مارلين خليفة في «السفير» قد ناقشته في انعكاسات العدوان لبنانياً، فإن الفضيحة تمثلت في نشر «النهار» أمس «مقابلة»، لم نعرف من أجراها، وكيف أُعدّت، لكننا قرأنا نصاً أعدّ على طريقة بيانات الشركات التجارية المرسلة الى الصحف. مساعد السفير كتب الأسئلة والأجوبة، ولم تبذل «النهار» جهداً في إعادة توليف النص بطريقة تجعل منه عملاً مهنياً. لكن يبدو أن أشياء كثيرة لم تعد موجودة في هذه المؤسسة. وبالطبع، فإن سفير آل سعود يستنفر منذ يومين لحجز «ثلة من ثوار الأرز» استعداداً لتولي الرد القوي على خطاب السيد نصر الله اليوم، علماً بأنه، وللأمانة، فإن الكثيرين من جماعة الصراخ الذين تعوّد اللبنانيون عليهم سابقاً، لم يظهروا على الشاشات بعد.
لكن ما هو أهم، لفت انتباه سفير آل سعود الى ضرورة مراجعة تجربتي اثنين برعا في إدارة الملف السياسي في لبنان من دول الوصاية. اللواء رستم غزالة من سوريا، والسفير جيفري فيلتمان من الولايات المتحدة. لأنه في حال الأخذ بنصائحهما، سيكون أكثر فعالية مع جماعته على الأقل. أما إذا قرر الاكتفاء بتجربته الباكستانية، فسيجد الكثير من الشعر غير المطابق لمواصفات السوق اللبنانية. وليس من الخطأ أن يطلب من مساعديه العودة الى الأرشيف، ومشاهدة حلقة بثها الكوميدي عادل كرم في برنامجه «هيدا حكي» على شاشة «المر تي في» وقرر أن يقارن، بين الأمناء العامين للأحزاب. يومها اختار أحمد الحريري أميناً عاماً لتيار «المستقبل» والسيد حسن نصر الله أميناً عاماً لحزب الله. ترك لصور فيديو أن تتحدث، فيما غرق المشاهدون في الضحك.