هل سيتذكر السفير الفرنسي الجديد في بيروت ايمانويل بون ما كانت عليه أحوال لبنان عندما كان يزوره وهو في أوائل شبابه (عمره الآن ٤٤ سنة) حاملاً العلم اللبناني وآتياً مع المناضلين الشباب لمساعدة الشعب اللبناني خلال الحرب الأهلية؟
السفير الفرنسي الجديد الذي وصل إلى بيروت أول من أمس هو من الديبلوماسيين المستشرقين اللامعين في الخارجية الفرنسية وقد عمل على ملف الشرق الأوسط إلى جانب الرئيس فرانسوا هولاند منذ توليه الرئاسة. هل سيستمر بون في حبه العميق لهذا البلد الذي جذبه قبل عمله الديبلوماسي؟ إنه يأتي في أصعب الأوقات إلى بلد منقسم على شفير الهاوية لا رئيس فيه ولا توافق بين السياسيين. وكراهية الناس واحتقارهم للطبقة السياسية يسودان في البلد. ومشهد النفايات المنتشرة أينما كان من دون حلول فورية وانقطاع التيار الكهربائي مستمر منذ عقود والوعود بعودته مجرد كلام لم ينفذ يوماً. كلها مواضيع تشغل اللبنانيين قبل أي كلام عن اختيار رئيس أو مصالحة حكومية.
إن ايمانويل بون وصل إلى لبنان الذي يحبه وفي جعبته نوايا حسنة ورغبة بالمساعدة والبحث عن حلول. فهذا أول منصب يتسلمه كسفير لبلده. وهو منصب صعب لأن لبنان في حالة مزرية ومنطقة الشرق الأوسط مشتعلة حوله من سورية إلى العراق واليمن، فكيف العمل من أجل الحلول؟ بون وصل إلى بيروت مدركاً صعوبة المهمة ولكنه غير متخوف منها. بل بالعكس فصعوبة الوضع وحبه للبلد وطموحه للتحاور مع جميع الأطراف تدفعه إلى الرغبة في إيجاد حلول يقدمها إلى رئيسه هولاند العازم على زيارة لبنان خلال أشهر. وبون لن يشجع هولاند على القدوم إلى لبنان إذا لم تكن هذه الزيارة مفيدة. فهو يعرف كل الطبقة السياسية اللبنانية كونه التقى بهم في القصر الرئاسي أو زارهم في مقرات إقامتهم أو تناول الطعام معهم في مختلف الأماكن في باريس. وهو آتٍ إلى لبنان مع أفكار عديدة وتساؤلات حول ما يمكن أن يفعله لإخراج البلد من أزماته ليس فقط السياسية بل أيضاً الاجتماعية والاقتصادية. ولدى سماعه بأزمة النفايات كان يتساءل قبل أن يصل إلى لبنان ماذا بإمكانه أن يفعل للمساعدة لإيجاد حلول لهذه الأزمة.
لا شك في أن النجاح في إيجاد حلول للمشكلات اللبنانية شبه مستحيل في مثل هذه الظروف التي يمر فيها البلد الذي يعاني من فساد كبير ليس فقط على صعيد السياسيين ولكن أيضاً في أوساط عديدة من الشعب. ويصادف وصول بون إلى لبنان مع زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف التي لن تأتي بجديد بالنسبة إلى السياسة الإيرانية في لبنان والمنطقة. فوزير خارجية فرنسا لوران فابيوس التقى ظريف في طهران منذ حوالى أسبوعين كما التقى الرئيس روحاني، ولكنه أدرك أن المسؤولين الإيرانيين ليس لهم تأثير على الأزمات الاقليمية التي تدار من قبل «الحرس الثوري» وقاسم سليماني وغيره من العسكريين المستمرين في دعم بشار الأسد وحرب «حزب الله» في سورية. فلبنان سيبقى في الوقت الحاضر رهينة سياسة إيرانية متشددة تريد الهيمنة في المنطقة عبر وكلائها على الأرض في سورية ولبنان والعراق واليمن. ولكن بون الذي يعرف تماماً موازين القوى في المنطقة لن يستسلم لهذه المعطيات وسيحاول بذل كل جهوده للنجاح في مهمته الجديدة ليس فقط لأنه تحدّ شخصي لعمله الديبلوماسي بل لأنه تربطه بلبنان علاقة صداقة وود حقيقية، والأمل أن تستمر لدفعه إلى الاستمرار في المحاولة رغم أن يداً واحدة لا يمكن أن تصفق. فالتمني له أن ينجح رغم كل شيء في سبيل بلد أحبه في أحلك الظروف خلال الحرب الأهلية.