Site icon IMLebanon

ذهول بعض السفراء

 

لا تعبّر حركة السفراء المكوكية والسريعة بين المقرات الرئاسية إلا عن موجة جديدة من الضغوط بهدف انتشال البلد من الفراغ الحكومي القاتل الذي يرشّحه لانهيار مدوٍ شهدت الأسابيع الماضية نموذجاً صارخاً منه، بالعراك في السوبر ماركت على المواد المدعومة، وقطع الطرقات ونقص الأوكسجين في بعض المستشفيات… هم يتخوفون من انفلات أمني في المرحلة المقبلة.

 

استشعر السفراء الخطر القادم على لبنان في حال لم تتألف الحكومة قريباً، بعدما انتظروا اجتماع الإثنين الماضي وراهنوا على إمكان أن يسعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى تدوير الزوايا مع الرئيس المكلف سعد الحريري، للاتفاق على إخراج الحكومة من عنق الزجاجة، فخابت مراهنتهم التي كانت حظوظها شبه معدومة أصلاً. لم يكونوا مطلعين على تفاصيل ما جرى في الساعات القليلة التي سبقت لقاء الإثنين.

 

القرار كان متخذاً سلفاً بأن لا حكومة وفق من قرأوا الجداول التي أرسلها عون إلى الحريري قبل اجتماعهما، ومنهم رئيس البرلمان نبيه بري. ومع ذلك ترك بعض السفراء، وبعض الوسطاء، نافذة لاحتمال نزول حكمة الرحمن على قصر بعبدا.

 

حتى الحريري حين وصلته جداول عون اعتبرها استفزازية، الهدف منها إثارة كرامته، حتى لا يزور القصر فيُلام لأنه امتنع عن لقاء عون لبحث التأليف، أخذ قراره بالتوجه إلى بعبدا لإحباط إمكان اتهامه بالتخلف عن السعي لتسريع الحكومة. حين هيأ الحريري الكلمة المكتوبة التي عاد فقرأها رافضاً أن تكون وظيفته تعبئة الفراغات، أبلغ محيطه بأنه سيضعها في جيبه، فإذا أبدى عون تجاوباً وأظهر ليونة للبحث في تشكيلته الحكومية، التي كان قدمها له في 9 كانون الأول، يستغني عن تلاوتها، وإذا لا، يعلن ما جاء فيها، وهذا ما حصل.

 

الهامش الذي تركه الحريري لإمكان تجاوب عون معه، وبصيص الأمل المشكوك به الذي ترك بعض الوسطاء حيزاً ولو صغيراً له كان نظرياً طبعاً، فحصدوا الخيبة الكبرى. بعضهم لم يخفِ غضبه. ومع توهم الفريق الرئاسي بأنه باستدعاء السفراء يقنع نفسه بأن لا صحة للانطباع بأنه في عزلة سياسية وديبلوماسية، فإن السفراء استمعوا إلى رواية سيد القصر ومستشاره عن تفاصيل ما حصل في اللقاء الأخير، من دون اقتناع بسردية موقف رجال القصر. بعضهم كان منذ أسابيع نصح عون بالتفاهم مع الحريري وأبلغه صراحة بأنه مسؤول عن إعاقة ولادة الحكومة مع فريقه وطالبه بإزالة تلك العراقيل، “إنقاذاً لما تبقى من عهده وللبلد” من الانهيار الشامل المحتم القادم.

 

استمع بعض السفراء الذين التقاهم عون إلى نفيه أن يكون طالب بالثلث المعطل، حين طالبوه بالتخلي عن إصراره على هذا المطلب. حين اقتضت الصراحة بأن يواجهوه بالواقعة التي أرسلها إلى الرئيس المكلف وتتضمن عدداً من الوزراء الذين يطالب بأن يكونوا من حصته، يساوي الثلث المعطل، نفى أن يكون قد أرسل الجداول التي أعلن الحريري أنه تلقاها منه، وسط ذهول بعض هؤلاء السفراء حيال تنصل الفريق الرئاسي من المطلب. وهذا ما دفع السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الدعوة في بيان مكتوب للتخلي عن “المطالب من أجل تسوية لتشكيل الحكومة” بعد لقائها عون، فيما لم تفعل ذلك إثر لقائها الحريري. انطباع بعض السفراء أن الفريق الرئاسي لا يخفي، باسم ادعاء الدفاع عن حقوق المسيحيين، أن همه إزاحة الحريري عن رئاسة الحكومة.