يستعيد سفراء اللجنة الخُماسية نشاطهم، ليس لأنّ لديهم معطيات جديدة تحمل بذور أمل بحل أزمة الفراغ الرئاسي، وليس لأنّ الاختلاف في وجهات النظر بين القوى السياسية اللبنانية يمكن تذليله، ولكن لأنّ «حزب الله» وبموجب انخراطه بأجندة المحور الممانع ومصادرته القرار الوطني في لبنان، لا يعترف أصلاً بما يحاول السفراء اجتراحه من معجزات.
فهذا المحور يعتبر أن لا ضرورة لكل هذه الجولات على قوى لا تحل ولا تربط، أياً كان موقفها، ما دام يرهن لبنان كله بتطورات المعركة في غزة، وما دام يكابر ويبتلع الضربات الإسرائيلية التي لا توفر وسيلة أو مساحة جغرافية للنيل من عمق انتشاره، وما دام يتعامل مع تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أنّها للتهويل فقط، لامتصاص خوف بيئته الحاضنة من جهة، ولتجنب قيام باقي اللبنانيين بحركة اعتراض ضده تربكه في هذه المرحلة الدقيقة من جهة أخرى، مع ترقبه وقلقه حيال انتقال العدوان الإسرائيلي إلى توسيع الحرب على لبنان أو تنفيذ عمليّة برّيّة محدودة في جنوبه، أو اقتصار الأمر على التهديد والاكتفاء بما هي عليه الأمور حالياً.
ومن المنطقي أن يكون سفراء اللجنة الخُماسية على دراية بقرار «حزب الله» وباستراتيجيته التي لم يحد عنها، سواء في الملفات الداخلية أو بدوره الإقليمي الموكل اليه من رأس محوره الإيراني، فهم يعلمون أنّ «الحزب» لا يرضى، ولن يرضى، ببحث أي من هذه العروض قبل وقف إطلاق النار الشامل في غزة. هذا ما أعلنه أمينه العام حسن نصر الله، في أكثر من خطاب، وهذا ما صرّحت به الحكومة اللبنانية واضعة بالتالي القرار 1701 خارج الخدمة، بما يمنح رأس المحور الإيراني نقاطا إضافية لتحسين الشروط في أي مفاوضات مع الأميركيين.
وبالتالي، هم على دراية أنّ مسعاهم سيبقى في إطار تجميع السلبيّات التي تتراكم ولا تتمخض عن إيجابية واحدة يمكن البناء عليها، ولن تنفع جهودهم في الانكفاء عن لائحة شروطهم الأولى القاضية باختيار شخصية لرئاسة الجمهورية قادرة على قيادة البلد في اتجاه تطبيق القرارات الدولية والإصلاح والتخلص من الطبقة السياسية الحالية، ليخفّضوا سقف توقعاتهم ويواصلوا التطبيع مع هذه الطبقة التي تريد إعادة انتاج الوضع السائد بكل ما فيه من ويلات على لبنان.
والأهم يدرك السفراء جيداً أنّ منسوب التعقيد في أزمة الرئاسة ليس داخلياً، هم على يقين أنّ المفتاح بيد الخارج، وتحديداً بيد كلٍ من إيران والولايات المتحدة في مستوى أول، تندرج تحته مستويات مساندة بمعدلات تتفاوت أو تتقارب وفق التطورات.
من هنا، تبقى جولات سفراء الخُماسية مقتصرة على العموميات، وفي إطار الاستماع إلى العصف الفكري لجهابذة السياسية عندنا، ومحاولة العثور على شخصية تحمل مواصفات «الرئيس الميثاقي، السيادي، الإصلاحي، المُقاوِم»، وفق اقتراح الصهر العزيز الغائب عن الصورة التذكارية للقاء عمه الجنرال مع السفراء، بناء على احترام السفيرة الأميركية لقرار بلادها إدراج اسمه على لائحة العقوبات جراء أدلة على فساده.
لذا ستبقى الجولات في إطار الشكليات الدبلوماسية بانتظار ما ستؤول إليه معادلة «وحدة الساحات» وما سوف تستجره من ترتيبات تشمل مصير البلد برمته. ومهما حاول سفراء الخُماسية النأي بأنفسهم عن هذه الحقيقة، والإيحاء بأنّهم بصدد وضع خريطة طريق، بعدما يستكملون لقاءاتهم مع القوى السياسية، ليضيفوا مواصفات جديدة للرئيس العتيد إلى اللائحة، فهم لن يتمكنوا من انجاز مهمتهم واختراق أفق الملف الرئاسي المسدود، إلا عندما يقرر رأس المحور الإيراني الخطوط العريضة لخريطة الطريق الخاصة بلبنان، ويطرحها على من يبيع ويشتري ليحقق مكتسباته.