Site icon IMLebanon

سفراء الخماسية و”سفراء البلطجة”

 

يمكن تخمين منسوب التململ وربما الإشمئزاز، لدى سفراء دول الخماسية الذين اجتمعوا قبل أيام في دارة السفير السعودي وليد البخاري، لبحث صيغة تفيدهم في سعيهم لإخراج لبنان من أزمة الشغور الرئاسي، لا سيما إذا ما كانوا يتابعون فصول الهستيريا المتصاعدة من مجلس النواب، على خلفية نقاشات جلسات الموازنة.

 

وقد يشعر السفراء بالإحراج لمجرّد فكرة الإجتماع بكلٍ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اللذين حافظا على برودة أعصابهما، وتلقّيا بملامح خالية من التعبير الإتهامات التي وجهّت إليهما من على منبر البرلمان، وبعضها مقرون بالأدلة، بشأن مسؤوليتهما وتورطهما، بالتكافل والتضامن مع أولاد المنظومة، بتكريس الشغور والاعتداء على الدستور وخراب البلد وإفلاسه.

 

فأعتى المتمرّسين بالديبلوماسية منهم لن يشعر إلا بالإحراج حيال الانطباعات التي خلفتها جلسات الموازنة، ومنذ اللحظات الأولى، بفعل الإفتتاحية الفضائحيّة لدى طلب النائب ملحم خلف الكلام، وفقاً للنظام، ليرفض برّي، ويقمعه بقوله «ما رح أعملك بطل وطلعك برّا القاعة».

 

ولعلهم لم يستغربوا تولّي «السفير فوق العادة للأستاذ» في المجلس واجب الدفاع عن قائده المفدى، من خلال توجيه الإهانات إلى النائب فراس حمدان، فيقول له «تافه»… ليتابع بالصياح والترهيب والتهديد، فيشمله ورفاقه من نواب التغيير بعبارة «ما حدا شايفكم…» و»انتو قرطة مافيات، ما حدا قاريكم»، وأيضاً لم يستغربوا عندما ردّت عليه النائبة بولا يعقوبيان بالقول: «الهارب من العدالة لا يحقّ له الكلام عن المافيات».

 

ويرتفع منسوب شعور سفراء الخماسية بالإحراج، وهم يشهدون على تنازل برّي، وهو يلطّف الأجواء ويعد خلف بأنه سيعطيه الكلام مباشرة بعد عرض تقرير لجنة المال والموازنة، ليستكمل خلف تسجيل موقفه بتشديده على أنه «عند خلو سدّة الرئاسة لا أولوية تتقدّم عن انتخاب الرئيس، والمجلس منعقد حكماً وبقوّة القانون يجب انتخاب رئيس للجمهورية إمتثالاً لأحكام الدستور»، ومطالبته «الشّروع فوراً في انتخاب رئيس للجمهورية، والتعطيل المتعمّد انقلاب على الجمهورية وعلى سيادة القانون والدستور(…) ولن أقبل بالمشاركة فيه (…) وإذا لن ننتخب رئيساً سأخرج كبطل من المجلس لأنني لن أخالف الدستور».

 

لعلّهم فكّروا بصوت عالٍ أن طرح خلف ينهي خماسيتهم من أساسها، ويلغي مهمّتهم القاضية بإخراج لبنان من شلله، لولا أنّ «سفراء البلطجة» ناشطون لتكريس استراتيجية ضابط إيقاعهم خدمة لمحوره الممانع، لذا أعدّوا عدّتهم في جلسات الموازنة.

 

والعدّة تتضمّن بالطبع المزايدات في مأساة حرب غزّة، حتى لو كان الثمن لبنان. فلها الأولوية على الرئاسة والموازنة وكلّ الأمور الدنيوية التافهة التي قد تعرقل مسيرة تحرير القدس.

 

والعدّة تتضمّن سردية «حزب الله» ونوّابه بأن فتح جبهة الجنوب هي للدفاع عن لبنان، وأن قرار الحرب بيد إسرائيل وقرار السلم بيد الولايات المتحدة، في حين أنّ العدوان الإسرائيلي يفرض قراراً لبنانيّاً يجب أن يكون بيد الدولة، التي يشكّل «حزب الله» جزءاً منها في مجلس النواب وفي الحكومة وفي البلديات والإدارات والمؤسسات، فإذا اعتبر الدولة عاجزة بجيشها ومسؤوليها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية، فهذا يعني أنه جزءٌ من العجز، لا بل سبب العجز، لأنه متحكّم بها.

 

ومع هذا، ينبغي على سفراء الخماسية أن يواصلوا مهمّتهم، ويتغلّبوا على أي أفكار مسبقة، وهم يحضّرون جدول أعمالهم ومواعيدهم مع الرئيسين وباقي أولاد المنظومة. لا بدّ لهم أن يتابعوا، وأن يتجاهلوا «سفراء البلطجة»، لأنّ هدفهم ليس تنقية الجسم السياسي اللبناني من آفته ومافياته، بل ملء الشغور لتنتظم أمور الدولة فيتمكّنوا من التعامل مع مؤسساتها وفق الأصول لا أكثر ولا أقل.