لم تمرّ الذكرى العاشرة لانتخاب البطريرك بشارة الراعي على سدة البطريركية المارونية كما غيرها من السنوات، انطلاقاً من السجال السياسي الذي برز بعيداً عن الكواليس في الأيام الماضية من خلال الرسائل التي تتردّد من بكركي وإليها، كما لاحظت أوساط نيابية مسيحية، حيث ربطت ما بين التوقيت لحملات استهداف مواقف بكركي حول الحياد أولاً، والمطالبة ب»تحرير الشرعية» ثانياً، والدعوة إلى عدم «تغليب المصالح السياسية الشخصية» على المصلحة الوطنية الكبرى ثالثاً.
وبرأي هذه الأوساط المسيحية، فإن الوضوح هو السمة الأساسية في عظة البطريريك الراعي التي ألقاها بالأمس، والتي لم تنكر الأوساط، أنها أتت بمثابة رفع البطاقة الحمراء في وجه كل القوى السياسية التي تقف في بمواجهة أي عمل إنقاذي جدّي، سواء من خلال تأليف حكومة اختصاصيين، وفق ما أتى في المبادرة الرئاسية الفرنسية، أو من خلال اتخاذ التدابير العاجلة لمواجهة انزلاق اللبنانيين نحو الجوع والموت بسبب فيروس «كورونا»، وبقائهم منفردين و»مَتروكين» في مواجهة مصيرهم الذي يحذّر من خطورته الداخل والخارج، وذلك، بالنسبة للحديث عن الفوضى الأمنية المتوقّعة في حال استمرّ التفلّت الكبير في سعر صرف الدولار الأميركي بشكل يومي.
وفي الوقت الذي ترصد فيه الأوساط المسيحية نفسها، ردود الفعل التي لن تتأخرفي الساعات المقبلة، فهي ترى أن الإنهيار لا يعني جهة سياسية واحدة أو طائفة معينة، بل هو بات هاجساً يحدق بجميع اللبنانيين وأيضاً بالنازحين السوريين على أرضه، كما باللاجئين الفلسطينيين، فيما لا تزال الآليات السياسية منصبّة كلها على كيفية تقاسم الحصص، والبحث عن عمليات «مشبوهة» لاستنزاف ما تبقى من احتياطي المصرف المركزي وودائع اللبنانيين في صفقات تضجّ بها مواقع التواصل الإجتماعي، وتبقى بعيدة عن أي مقاربة أو تعليق من قبل المسؤولين.
ومن هنا، فإن الأوساط نفسها تنظر إلى رفع الصوت من قبل البطريرك الراعي بالأمس، على أنه يعبّر عن خشية مبرّرة من حالة اللامبالاة وعدم الإهتمام من قبل الطبقة السياسية المعنية بالتجاوب مع النداءات الشعبية، كما مع المناشدات اليومية من الصرح البطريركي ومن قبل الدول الصديقة للبنان، والتي تسعى إلى مساعدة الشعب اللبناني، ولكن عن بعد، ومن دون المجازفة بالوقوع في الوحول السياسية اللبنانية.
وتتوقّع الأوساط المسيحية نفسها، أن يستمر المنطق الذي يرى فيه البطريرك الراعي المشهد السياسي الداخلي على حاله من حالة اللامبالاة، مقابل تشدّد من قبل الأطراف التي لم يسميها، وإنما اتّهمها بالعرقلة، في تنفيذ أجندتها الخاصة، بغض النظر عن كل التحذيرات والسيناريوهات التي ترسمها قوى ديبلوماسية دولية وإقليمية لما سيكون عليه واقع الشارع في الأشهر القليلة المقبلة عندما يصبح قرار رفع الدعم عن السلع الضرورية مثل المحروقات والقمح والدواء، نافذاً بحكم الأمر الواقع، وليس بقرار من قبل حكومة تصريف الأعمال، أو من قبل أي جهة أوسلطة أخرى، ذلك أن كل الدول الغربية التي تحرّكت في الآونة الأخيرة، في السرّ كما في العلن، تتحدّث أمام زوارها عن أن السقوط الكبير للبلد بات حتمياً، ولبنان يتّجه إليه بسرعة فائقة، والمهم أن يحصل الإرتطام بأقلّ أضرار ممكنة على المجتمع اللبناني بأكمله.