ما نوع الإصلاحات التي اقترحها أول من أمس زعماء الكتل السياسية العراقية في اجتماعهم النادر، وتعهدوا بتشكيل لجنة لمتابعتها استجابة لمطالب الاحتجاجات؟ وما هي الآليات لتنفيذها؟
في العودة إلى البيان الصادر عن الاجتماع، فإنه يتحدث عن «حلول عاجلة للمشكلات الخدمية والإدارية وضرب الفساد» لضمان أداء أفضل لمؤسسات الدولة، بعد أن يعلن إجماعه على «حق التظاهر السلمي» ورفضه «التجاوزات التي حصلت على مؤسسات الدولة».
الواضح أن الزعماء أو من مثلهم في الاجتماع وجدوا أنفسهم أمام مشهد مغاير لتوقعاتهم عن الطريقة التي يمكن أن يتطور بها الاستياء الشعبي تجاه الوسط السياسي العراقي برمته، فاضطروا إلى تلبية دعوة العبادي إلى الاجتماع المستعجل، بعد أن كانوا انخرطوا في ممانعات و «دلال زعماء» واستسهلوا لعبة «الغميضة السياسية» طوال الفترة الماضية، واضطروا في نهاية المطاف إلى التوقيع على جمل غامضة ومستعجلة وبصياغة ركيكة، تكشف عن التخبط ولا تؤشر إلى الحلول، كما أنها تتجاوز أصل الأزمة العراقية التي تقع السياسة في جوهرها وليس في هامشها.
لا تريد القوى السياسية العراقية التورط بحلول، ولا ترغب في تحويل الاحتجاج إلى فرصة لمعاينة شكل العملية السياسية ونقاط ضعفها، ولا طبيعة الاحتجاجات الشعبية، ومحركات العنف التي باتت تكتنفها.
يمكن القول أن اجتماع بغداد كشف في جوهره تضامناً سياسياً عاماً على حماية الوضع السياسي القائم، من «هجمة غوغائية الطابع» تحاول النيل منه بدوافع خارجية أو داخلية، وهذا التضامن لا يجد مبرراً للغضب الشعبي، ولا يهتم بتحويله إلى قوة إيجابية لفرض إصلاحات تحمي الجميع: الشعب والسلطة والأحزاب معاً.
نعم، كانت الاحتجاجات عنيفة فعلاً… وحصلت تجاوزات واعتداءات على مرافق عامة وعلى عناصر الشرطة، وقوبلت بعنف مفرط سواء من عناصر مسلحة تابعة لأحزاب كما حدث في النجف والسماوة، أم من القوى الأمنية كما الحال في البصرة وبغداد ومدن أخرى، واستدعت قرارات غير دستورية كما هي الحال بقطع شبكة «الإنترنت».
ذلك واقع، لكن الواقع أيضاً أن الغضب الشعبي لم يكن مصطنعاً… لم يكن نتاج عبقرية «مندسين» مدفوعين بمخططات كبرى، تماماً كما أن فشل الدولة مسؤولية يتحملها كل الوسط السياسي العراقي، لا حزب أو مسؤول بعينه، لأن المشكلة تخص القواعد غير المكتملة للدولة، لا قراراً هنا أو موقفاً هناك.
الحسنة الوحيدة التي فعلتها القوى التي اجتمعت أخيراً هي الإقرار بتلك المسؤولية التضامنية، وتلك خطوة جيدة، كان من الممكن أن تتبعها خطوات كالتعهد بتشكيل حكومة فاعلة لا تحكم بمنطق اقتسام مؤسسات الدولة، وتعطيل إمكاناتها وخدماتها حزبياً.
كان يمكن أن يصوغ اجتماع نادر للزعماء السياسيين شكل دولة قادرة على إرضاء شعبها بعد التخلص من معادلات فشلها، بديلاً من التفنن في صوغ عبارات الاتهام لشباب تظاهروا غضباً قبل أن يموتوا كمداً على وطن يقتل كل يوم أمام أنظارهم.
الخبر الجيد أن يشعر قادة الأحزاب بالخطر، ففي العادة يكون الخطر منطلقاً لتبني بدايات جديدة.
لكن الخبر السيئ أن أي حدث مهما بلغت خطورته لا يمكن أن يدفع زعماء العراق إلى البحث عن بداية جديدة لبلدهم، لم يفعلوها بعد الحرب الأهلية، ولم يأبهوا بها بعد «داعش» ومرارات ما حدث، وبالتأكيد ليسوا بمعرض تبنيها اليوم.