يسيطر القلق على غالبية اللبنانيين والافرقاء السياسيين، خشية الوقوع في دوامة أزمة غير مسبوقة، من معالمها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وبقائه في السعودية، وما يحيط بهذه التطورات من مواقف داخلية ودولية..
حتى الآن، لم تتضح بعد معالم الخروج من هذه الازمة وخطوطها العريضة، خصوصاً وأنها تجاوزت الحدود اللبنانية الداخلية، لتكون مادة حيوية في الاتصالات والمتابعات الاوروبية مع المملكة العربية السعودية، حيث يقيم الرئيس الحريري راهنا.. والجميع يسأل، هل الرئيس الحريري ماضٍ في استقالته؟ وهل هو مستعد للمجيء الى لبنان للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعهما في الصورة الحقيقية للتطورات التي سبقت ورافقت وتلت اعلان استقالته من الرياض السبت قبل الماضي في الرابع من تشرين الثاني الجاري؟. لاسيما وان الاشارات الصادرة عنه عبر الـ»تويتر»، تؤكد رغبته في العودة القريبة؟! ليتقرر في ضوئها أحد الخيارات التالية:
1- هل الاستقالة ثابتة ونهائية؟
2- هل هو مستعد لاعادة الاعتبار الى الموقع والنظر الى مصلحة «لبنان أولاً» ويتراجع عن الاستقالة؟ خصوصاً وأن لبنان، باعتراف الجميع، يمر بأزمة بالغة الدقة والخطورة، وسط ظروف اقليمية – دولية ضاغطة؟
3- هل ستبقى العلاقات اللبنانية – السعودية في اطار الايجابية أم ستتلقى طعنات؟
4- أم ان هناك خيارات أخرى، من بينها الخروج وعائلته من السعودية الى باريس تلبية لدعوة مباشرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وبالواسطة عبر وزير الخارجية جان ايف لودريان، تعززت بالاتصال المباشر بين ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان والرئيس الحريري؟! كما وتعززت بزيارة لودريان الى الرياض ولقائه الامير محمد بن سلمان..
يصعب في رأي المتابعين عن كثب الجزم بأي خيار من الخيارات الثلاثة، وقد تكون الافاق مفتوحة أمام خيارات أخرى.. خصوصاً وأن عديدين باتوا على قناعة من ان العلاقات اللبنانية – السعودية دخلت مرحلة دقيقة للغاية على خلفية قضية الرئيس الحريري، ما سبقها وما صاحبها وما يمكن ان تؤول اليه وما يحاط بها من سيناريوات بلغت ذروتها في اليومين الماضيين، بخروج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن صمته مشدداً على ان «رئيس الحكومة محتجز..».
في لقائه نقابتي الصحافة والمحررين أمس، أعرب الرئيس عون عن أمله في ان تكون الازمة انتهت وفتح باب الحل بقبول الرئيس الحريري الدعوة لزيارة فرنسا.. وهو ينتظر عودته من باريس ليقرر الخطوة التالية، بموضوع الحكومة.. ومبدياً طمأنينة لجهة ان «لا خوف من شلل حكومي طالما ان الدستور ينص على اجتماعات استثنائية لمجلس الوزراء وهو الذي كان أعلن أمام وفد «المجلس الوطني للاعلام» (أول من أمس) «ان لا شيء يبرر عدم عودة الرئيس الحريري الى بيروت..» متهماً السعودية بالامر، قائلاً وبوضوح لا لبس فيه: «ان هذا الاحتجاز هو عمل عدائي ضد لبنان، لاسيما ان رئيس الحكومة يتمتع بحصانة ديبلوماسية وفق ما تنص عليه اتفاقيات فيينا..»؟!
منذ اللحظة الاولى لأزمة اعلان الاستقالة من خارج لبنان، قرأ الرئيس عون في ذلك رسالة بالغة الخطورة لا بد من استيعابها ومواجهتها بما يتوفر من وسائل وسبل، عربية ودولية.. وققد تبين ان أي دولة عربية في غير وارد الدخول على خط ما حصل فجاءت الاشارات الخضراء من الخارج، وتحديداً من العديد من الدول الاوروبية وفي مقدمها فرنسا..
لا يريد الرئيس عون أكثر من عودة الحريري.. وهو ماضٍ في خط السير الذي سلكه في طرق الأبواب الدولية لافتاً الى ان «دولاً عربية تدخلت لعودة الرئيس الحريري، لكن لم يحصل معها أي تجاوب، لذلك توجهنا الى المراجع الدولية..» حيث التقى سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان (فرنسا، بريطانيا، المانيا) وايطاليا التي ترأس حالياً مجلس الامن الدولي. وقد صدرت عن كل هذه الدول مواقف طالبت بعودة الرئيس الحريري وحتى الساعة لا تجاوب مع هذه الدعوات..؟!
في قناعة عديدين، وهي قناعة تعززت بتغريدات الحريري عبر الـ»تويتر» ان رئيس الحكومة (المستقيل) سيعود، لكن متى وكيف؟ فليس لدى أحد معلومات، خصوصاً أكثر ان دخول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وتوجيه دعوة للرئيس الحريري وعائلته، للذهاب الى فرنسا.. واحتمال تلبيتها بعد 48 ساعة على ما قال عقاب صقر، قد وضع المسألة في مسارات دولية مختلفة عما كان متوقعاً، قد توفر للحريري ظروفاً آمنة ومضمونة للعودة الى لبنان لـ»يبنى على الشيء مقتضاه»؟! في حين نقل عن مصادر فرنسية استبعاد وصول الحريري الى فرنسا خلال يومين «فهو يحتاج الى أيام وقد يصل قبل الاحد»؟!
وبالتقاطع مع هذه التطورات البالغة التعقيد، فإن الأنظار تتجه الى اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الاحد.. وعلى جدول الأعمال مادة أساسية وهي «شكوى سعودية ضد ايران».. وسيلبي لبنان الدعوة، سواء بحضور وزير الخارجية جبران باسيل الذي يجول أوروبياً لتوفير عودة «سليمة وآمنة ومضمونة للرئيس الحريري، أم بتوكيل أحد للنيابة عنه، لكن ما لا شك فيه «ان العلاقات اللبنانية – السعودية أصيبت بخلل..» والرئيس عون لم يدر ظهره لما حصل، معلناً أمام الاعلاميين: «كنا نتمنى لو ان السعودية أوضحت لنا رسمياً سبب اعتراضها – على عودة الحريري – وأوفدت مندوباً للبحث معنا في هذا الموضوع، لكن ذلك لم يحصل ما جعلنا نعتبره خطوة غير مقبولة..».
لم يصدر عن السعودية بعد أي موقف ازاء مواقف الرئيس عون، وما اذا كانت ستقود الى نتائج بالغة السلبية على العلاقات بين الدولتين.. لكن مسارعة (الوزير السابق الياس بوصعب الى لقاء رئيس الجمهورية واعلانه بعد اللقاء حرص الرئيس على عدم اصابة العلاقات اللبنانية – السعودية بأي خلل او جروح.. ومؤكداً حرصه أيضاً على «تصوير العلاقات وتعزيزها.. اشارة بالغة الأهمية والدلالة، لاسيما وأن أول زيارة رسمية في عهده كانت للسعودية..».
الساعات، بل الأيام المقبلة ستكون كافية للدلالة على ما ستؤول اليه التطورات.. والحريري نفسه لم يتأخر في ارسال الرسائل.. فإلى متى وكيف؟!