شهران تقريبا، يفصلان عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. هل يعود دونالد ترامب ام لا يعود؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يخفي سؤالا اكبر. السؤال الأكبر هل تتغيّر السياسة الخارجية الأميركية، تجاه ايران، بمجرّد خروج ترامب من البيت الأبيض وحلول الديموقراطي جو بايدن مكانه… ام انّ السياسة الأميركية المتبعة منذ تمزيق الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بات سياسة ثابتة مدعومة من المؤسسة العسكرية والأمنية الاميركية؟
ليس سرّا ان هناك رهانا إيرانيا على رحيل ترامب، خصوصا ان بايدن سيستعين، في مجال السياسة الخارجية، بديبلوماسيين اميركيين لعبوا دورا في التوصّل الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في عهد باراك أوباما. سيتبيّن في حال فوز بايدن، الذي كان نائبا للرئيس في عهد أوباما، هل ميله الى متابعة سياسة التملّق لإيران أم ان هناك ما يدفعه الى ان يكون مختلفا عن باراك أوباما الذي لم يكن يرى سوى الإرهاب السنّي في المنطقة متناسيا ما تقوم به ايران في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين وبلدان اخرى…
ليس ما يشير الى انّه سيكون هناك اختلاف كبير في مجال السياسة الخارجية بين ترامب وبايدن، خصوصا في ما يتعلّق بايران. الأكيد ان إدارة بايدن ستميّز نفسها في مجالات كثيرة، بما في ذلك العلاقة مع أوروبا عموما، لكنّ الأكيد، في المقابل، ان اميركا لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي. حتّى لو عاودت إدارة بايدن التفاوض في شأن الملفّ النووي الإيراني، سيظل انّ أي مفاوضات في هذا المجال ستتجاوز الملفّ النووي الى الدور الإيراني في المنطقة… فضلا بالطبع، عن الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى.
لا يتعلّق الموضوع فقط بالمؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية التي لديها حسابات قديمة تريد تصفيتها مع ايران. يتعلّق الامر بالكونغرس بمجلسيه الذي اتخذ وموقفا واضحا من ايران ولم يبد أي اعتراض على العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب.
تحمّل المؤسسة العسكرية والامنية ايران، بين ما تحمّلها، المسؤولية عن وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف الجيش الأميركي في العراق في مرحلة ما بعد 2003. كانت ايران شريكا في الحرب الأميركية التي استهدفت اسقاط النظام العراقي. كانت الشريك الخارجي الوحيد في هذه الحرب. كانت راغبة في تصفية حساباتها مع العراق.
بعدما سقط النظام الذي كان قائما في العراق، صار همّ «الجمهورية الإسلامية» محصورا في كيفية اخراج الاميركيين منه باي ثمن كان من اجل وضع اليد على البلد. سقط عسكريون اميركيون بالعشرات على يد مجموعات تابعة لإيران وذلك من اجل تحقيق الهدف الإيراني. استعانت ايران بميليشياتها العراقية في حربها على الاميركيين في العراق، علما انّ هذه الميليشيات عادت الى العراق على الدبابة الأميركية!
هذا ما نساه وتجاهله باراك أوباما الذي انسحب من العراق عسكريا في العام 2011، بالتفاهم مع ايران. هذا ما لم تنسه المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية التي لا تزال تتذكّر أيضا تفجير مقر المارينز قرب مطار بيروت في 23 تشرين الاوّل – أكتوبر 1983. قتل وقتذاك ما يزيد على 250 عسكريا اميركيا، كما قتل 58 عسكريا فرنسيا في تفجير آخر قريب من حيث قتل الاميركيون.
هذا غيض من فيض الملفّات العالقة بين الولايات المتحدة وايران، علما ان دونالد ترامب لن يعترض على التوصّل الى تفاهمات مع ايران في حال فوزه بولاية جديدة. لكنّ هذه التفاهمات لا يمكن الّا ان تشمل مسائل أخرى في مقدّمها الدور الإيراني خارج حدود «الجمهورية الإسلامية».
ليست إدارة ترامب وحدها التي اتخذت قرارا بالتخلّص من قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني الذي كان يرمز الى دور يتجاوز حدود «الجمهورية الإسلامية». هناك اميركا كقوة عظمى قررت المواجهة ومنع ايران من السيطرة على المنطقة، خصوصا على العراق.
بقي ترامب ام لم يبق، لن يكون المستقبل ورديا امام ايران في حال لم تأخذ علما بانّ ليس في استطاعتها لعب دور القوّة المهيمنة في الخليج والشرق الأوسط. للمرّة الالف، لا بدّ من التذكير بانّ ليس لدى النظام في ايران ما يقدّمه الى ايّ دولة من دول العالم، بما في ذلك الدول العربيّة. لم تستطع ايران بناء نموذج قابل للتصدير الى خارج حدودها.
قبل ان تسعى «الجمهورية» الى مصالحة مع إدارة أميركية جديدة، قد لا تكون لديها سياسة مختلفة كثيرا عن إدارة ترامب، من الأفضل لو تتصالح اوّلا مع نفسها. ما حصل امر في غاية البساطة. يختزل هذا الامر انّه لا يمكن لأيّ دولة لعب دور القوة الإقليمية المهيمنة في غياب الاقتصاد القوي القابل للحياة. في النهاية، ان الفشل الأكبر لـ»الجمهورية الاسلامية» التي اسّسها آية الله الخميني هو فشل اقتصادي. كشفت العقوبات الأميركية هشاشة ايران التي استثمرت في الميليشيات المذهبية الى ابعد حدود من اجل نشر الخراب والبؤس والسلاح والصواريخ في المنطقة العربيّة.
بدل ان يكون رهان ايران على جو بايدن، لماذا لا يكون على إعادة النظر في مشروعها التوسّعي والاقتناع بان لا افق من ايّ نوع لهذا المشروع. الدليل على ذلك، ان ايران تدخلت في العراق. ما نتيجة تدخّلها؟ تدخلت في سوريا. ما الذي حل بهذا البلد الذي صار يعاني من خمسة احتلالات؟ تدخلت في اليمن. هل من بلد بائس اكثر من اليمن في هذه الايّام؟ أخيرا تدخلت في لبنان وما زالت تتدخل. افلس لبنان وصار على الحضيض وبات يعاني من فراغ على كلّ المستويات، بدءا بمؤسسة رئاسة الجمهورية وصولا الى أي وزارة من الوزارات فيه.
تحتاج ايران الى رهان من نوع جديد. لن يقدّم حلول جو بايدن مكان دونالد ترامب في شيء. لن يكون عهد جو بايدن عودة الى عهد باراك أوباما لا اكثر ولا اقلّ…