أكثر ما يعني المواطن الأميركي هو الوضع الداخلي، خصوصاً من المنطلق الإقتصادي. والإنتخابات الأميركية التي لا تزال تُجرجر ذيولاً وتداعيات حتى اليوم، تشي بأنّ خسارة ترامب تعود إلى تردّي الإقتصاد عموماً وإرتفاع الديون. والمحتجّون على الرئيس المنتهية ولايته بعد نحو ثلاثة أسابيع يُطالبون بالضمانات الإجتماعية، بالحقّ في الوظيفة، بمكافحة الفقر إلخ…
قبل نحو نصف قرن، خسر الرئيس ريتشارد نيكسون تجديد ولايته الرئاسية أمام جون كينيدي بالرغم من أنه كان نائباً لأيزنهاور أحد أهمّ الرؤساء الأميركيين، وأنه حقّق إنجازاً مهماً لبلده ولشعبه بوضعه أسس إنسحاب الجيش الأميركي من حرب الفيتنام. خسر لأنّ المواطن الأميركي كان يتململ من الحالة الإقتصادية.
الناخب الأميركي، عندما يتوجّه إلى صندوقة الإقتراع، لا تعنيه في شيء ملفّات القدس والجولان وسوريا والعراق وحزب الله والتجسس الروسي والنووي الإيراني إلخ، بل ينصبّ همّه على كيفية تحصيل لقمته وتأمين معيشته. والواقع أنه في السنتين الأخيرتين، بدأت «الحال المعيشية»، كما يصفونها، تتراجع بشكل ملحوظ، إلى أن تفاقم الأمر مع إنتشار فيروس كورونا. وفي خلال الصيف والخريف الماضيين، من حزيران حتى اليوم، أُضيفَ عدد ثمانية ملايين فقير أميركي جديد إلى لائحة الفقر الطويلة، وتضاعَف عدد الذين ينامون في الشوارع والأزقّة والزواريب قرب حاويات النفايات لتعذّر المأوى والمأكل.
نقل موقع «العربية نت» عن CNN، قبل أيام، أنّ أكثر من 27 مليون أميركي بالغ يُعانون من نقص في الغذاء الكامل. وفي المعلومات أنّ ملايين الأطفال هم في حاجة ماسّة إلى الغذاء. وقدّم في الأسبوع الماضي نحو 888 (ثمانماية وثمانية وثمانون) ألف أميركي طلبات إعانة كونهم إنضمّوا إلى العاطلين عن العمل في وقت تُعلِن كبريات الشركات تسريحاً إجماعياً وشبه إجماعي لعمّالها وموظّفيها، مثال كوكا كولا العملاقة التي كانت مداخيلها في مطلع ثمانينات القرن العشرين الماضي توازي مداخيل جميع الدول المُنتجة للبترول المشاركة في مُنظمة «أوبك». ولتبيان أهمية وضخامة هذا الرقم، نُشير إلى أنّ المملكة العربية السعودية وحدها كانت تُنتج في ذلك الحين 16 مليون برميل يومياً، منها 12 مليوناً عبر «أوبك»، و 4 ملايين عبر السوق الحرّة في روتردام… ومع ذلك تُضطر هذه الشركة العملاقة لأن تصرف الكثيرين من عمّالها وتُقفل مجموعةً من إمتداداتها في دول العالم خلال ما تبقّى من ولاية دونالد ترامب.