أتى الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وترك البلد وناسه تحت قبضة حركة «طالبان»، في ظلّ الرعب الذي يجتاح أهل البلد وقاطنيه، محاولين التعلُّق في جناح أي طائرة للهروب، ليشكّل مادة إضافية لمحور الممانعة، خصوصاً للداخلين في هذا المحور في لبنان، بغية «الشماتة» بحلفاء واشنطن، وتكرار ما يردّده الإيرانيون دائماً: «أميركا تتخلّى عن حلفائها، بينما نحن لا نخون أصدقاءنا». وها هُو فريق الممانعة في لبنان يقول لخصومه الآن: «أنظروا الى مصير حلفاء أميركا في أفغانستان، وانظروا إلينا نأتي بالمحروقات من إيران».
طريقة الإنسحاب الأميركي من أفغانستان هذه، عدا عن تأثيرها على النفوذ والاستقرار في المنطقة، تحمل عاملاً نفسانياً يؤثّر على جميع حلفاء الولايات المتحدة والمراهنين على دورها في المنطقة. وينسحب ذلك على لبنان، بحيث بدأ التخوُّف وطرح السؤال عمّا إذا كان الأميركيون سيسحبون يدهم من لبنان ويُسلّمونه لإيران.
ad
مصادر ديبلوماسية ضليعة بالشؤون الأميركية، تؤكّد أن لا تأثير مباشراً للانسحاب الأميركي من أفغانستان على كلّ من لبنان والاتفاق النووي مع إيران، بل إنّ التأثير الوحيد يتعلّق باستغلال «جماعة الممانعة والمقاومة» لطريقة هذا الانسحاب و»تخلّي الأميركيين عن أصحابهم». كذلك ليس بالضرورة أن تسري طريقة تعامل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع ملف أفغانستان على المفاوضات النووية مع إيران، وذلك لأنّ الانسحاب من أفغانستان مُتفق عليه أميركياً، إن شعبياً أو بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وما إلقاء اللوم على بايدن الآن إلّا اعتراضاً على طريقة الانسحاب، وليس على الانسحاب في حدّ ذاته، علماً أنّ قرار بايدن منطلق من وعده الشعب الأميركي خلال حملته الانتخابية، بالانسحاب من أفغانستان خلال آب 2021، فيما الرئيس والمرشح الرئاسي السابق دونالد ترامب وعد بالخروج من أفغانستان في أيار 2021.
عملياً وسياسياً، أدّى الانسحاب الأميركي من أفغانستان الى سحب عامل الاستقرار في المنطقة، وترك الصينيين والإيرانيين يواجهون خطر «طالبان» على حدودهم، خصوصاً لجهة المشكلة الشيعية ـ السنّية التي قد تواجهها إيران مع جارتها، عدا عن كلّ تداعيات تسلّم «طالبان» السلطة. وعلى الرغم من أنّ السفارة الصينية ما زالت قائمة في كابول، فهناك تأثير كبير لسيطرة «طالبان» على أفغانستان على الإيغور المسلمين في الصين الذين يُضطهدون، فيما حركة «طالبان» تعتبر نفسها أنّها من «حماة الاسلام». وقد يفرض الوضع الذي خلقه الانسحاب الأميركي، في منطقة مرتبطة بعضها ببعض، حيث لكلّ دولة مشكلتها مع «طالبان»، تفاوضاً مع هذه الحركة والتعامل معها مقابل استقرار المنطقة، في ظلّ التخوف من اندلاع حرب أهلية في البلد المُكوّن من قبائل من إتنيات مختلفة.
لكن لا تبعات لذلك على الاتفاق النووي، بحسب ما ترى المصادر الديبلوماسية. إذ أنّ أجندة المفاوضات النووية معروفة، وأي من نقاطها غير مرتبط بأفغانستان، كذلك يُظهر مسار المفاوضات، أن لا تنازلات أميركية كبيرة لإيران، ومنها على سبيل المثال، تسليم لبنان الى إيران، خصوصاً أنّ الخيط الفاصل هنا، إسمه «اسرائيل»، التي هي في وسط أي أمر مرتبط بإيران أو لبنان، وهي تراقب المفاوضات النووية خطوة بخطوة، ولا يمكن تسليم لبنان لإيران وأن تقف اسرائيل متفرّجة، ولا داعي للتذكير بأهمية اسرائيل لدى واشنطن، وبالتالي لا تغيير كبيراً في هذا الإطار ولا تنازلات كبيرة.
إنطلاقاً من ذلك، لا تخلّي أميركياً عن لبنان كما يُسوّق الآن، بل على العكس، وآخر دليل على ذلك، إبلاغ سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان دوروثي شيا الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قراراً من الإدارة الأميركية يقضي بـ»متابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا». هذا الإعلان، استغلّه أيضاً محور الممانعة، لأنّه أتى بعد ساعات على إعلان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله انطلاقَ السفينة الأولى المحمَّلة بالمشتقات النفطية من إيران، وأنّ سفناً أخرى ستتبعها. واعتبر أفرقاء هذا المحور، أنّ التحرك الأميركي أتى بعد خطوة إيران ونصرالله، وهدفه الحؤول دون ترك لبنان يفتح أبوابه للشرق، وبالتالي، انّ «نصرالله بخطوته هذه دفع الأميركيين الى فك الحصار عن البلد».
إلّا أنّ المصادر الديبلوماسية تضع هذا الكلام في إطار «الاستغلال السياسي»، مؤكدةّ أنّ خطوة أميركية كهذه، واتفاقاً مع دول عدة يُبلّغ الى رئيس الجمهورية، ليس وليد اللحظة، ولا يحصل بقرار من سفير أو في لحظات، بل يأخذ أشهراً. وتوضح، أنّ الخارج لن يتخلّى عن لبنان، فلا مصلحة لا لأوروبا ولا للولايات المتحدة ولا حتى لروسيا أو ايران في انهيار لبنان، وبالتالي هناك «اتفاق بين الأعداء» على عدم انهياره، وعندما يصل الى حافة الانهيار يحصل التدخّل. والدليل على ذلك، الضغوط الأوروبية والأميركية لتأليف حكومة، ولو لم يكن الفرنسيون والأميركيون مهتمين بلبنان، لما تفاوض الأميركيون مع مصر والأردن، ومارسوا ضغوطات على سوريا التي تريد ثمناً بالطبع، لتأمين الكهرباء للبنان، هذا على رغم كلّ المشكلات التي يواجهها الأميركيون، ومنها ملف أفغانستان، كذلك لما دخلوا في التفاصيل اللبنانية والحكومية، الى درجة التواصل مع السعودية من خلال وزراء الخارجية ثم السفراء، لكسر «الستاتيكو» الحكومي. وبالتالي، هناك حركة دولية كبيرة تجاه لبنان، والفرنسيون والأميركيون تحديداً، يحاولون العمل على عدم انهيار لبنان انهياراً كاملاً، ولم يتركوا لبنان ولن يتركوه لإيران.
لكن هذا لا يعني، بحسب المصادر نفسها، أنّ مفهوم الخارج للانهيار مرادف لمفهوم الشعب اللبناني الذي يعاني ويشعر أنّ الجميع تخلّى عنه، وتشير الى أنّ اهتمام الخارج بلبنان ليس بسبب «أرز الرب»، بل لموقع استراتيجي معيّن، فهم ليس هدفهم أن يكون لبنان مزدهراً و»ملتقى الحضارات»، بل ألا يقع وتحصل حرب أهلية ويفقدوا السيطرة فيه كما فقدوها عام 1982. لذلك هناك «دفشة كبيرة» وضغوط كثيفة لتأليف الحكومة.
ad
وإذ تشير المصادر نفسها، الى أنّ الأميركيين يتركون حلفاءهم منذ أيام حرب فييتنام، وهذا الأمر ليس بجديد، ترى أنّهم لن يتخلّوا عن حلفائهم في لبنان الآن لأنّهم مهتمون بلبنان، وعندما ينتهي اهتمامهم هذا قد يتخلّون عن حلفائهم، لكن اسرائيل لن تتركهم ينسحبون من لبنان وأن يُسلّموه لإيران، وبالتالي «هناك حدود للخيانة العظمى الأميركية للبنان».