Site icon IMLebanon

ماذا تريد أميركا من لبنان؟

 

 

منذ عقد من الزمن على الأقل، هناك غطاء سياسي وأمني وضعته دول غربية فوق لبنان، على رأسها أميركا وفرنسا، ودول إقليمية على رأسها المملكة العربية السعودية وإيران. كل فريق له أسبابه الخاصة التي قد تتعارض مع أسباب الفريق الآخر. فأميركا مثلاً همّها الأكبر في لبنان هو تحجيم “حزب الله” بينما الهمّ الإيراني هو توسيع نفوذه وحماية صواريخه الموجهة نحو إسرائيل.

 

لن ندخل هنا في تحليل هذه المسألة الجيوسياسية المعقدة بل نود فقط التكلم عن الدور الأميركي فيها لما يحوطه من ضبابية في الوقت الحاضر ولما لأميركا من تأثير على تحركات معظم القوى السياسية في البلاد. أميركا تعايشت في الماضي القريب مع وجود “حزب الله” في لبنان، ما ظهر في طريقة فرضها للدفعات الأولى من العقوبات عليه، التي جاءت بعد التشاور الواسع مع حاكم البنك المركزي ووفود نيابية وحكومية وممثلي القطاع الخاص للتأكد من أن هذه العقوبات لا تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد اللبناني أو على القطاع المصرفي فيه. إدارة ترامب التي تستعمل العقوبات الاقتصادية بشكل غير مسبوق توسعت فيها مؤخراً لتشمل شخصيات تتعاطف مع الحزب أو تمد له يد المعونة السياسية لتشمل للمرة الاولى شخصاً غير شيعي في رسالة ارادت بها القول بانها لا تستهدف طائفة معينة وفي الوقت ذاته لكي تنبه أصدقاء الحزب الى أنهم قد لا يستثنون بسبب طوائفهم من عقوبات لاحقة.

 

يقول البعض إن اهتمام أميركا بلبنان هو في طريقه الى الزوال مستشهدين، على حق، بتأخرها وخلافا للعادة، في انطلاقتها لمساعدة لبنان في أزمته الحالية. حادثة البساتين التي حصلت منذ أقل من ستة أشهر تبعها تحرك أميركي سريع وبيان من السفارة الأميركية تجاوبت معه الجهات المتخاصمة فوراً. ولكن، رغم هذا التأخر، هناك دلائل على أن الاهتمام الأميركي بلبنان ما زال كبيراً ولو أن نوعيته قد تغيرت بعض الشيء في المدة الأخيرة.

 

أحد أسباب التأخر كان الخلاف بين التشدد الأميركي والتساهل الفرنسي حول دور “حزب الله” في الحكومة الجديدة. امتعض الاميركيون من الموقف الرسمي اللبناني عندما تولّى “حزب الله” وزارة الصحة التي اعتبرها الأميركيون وزارة حساسة قد تمكّن الحزب من استغلالها لمساعدة جرحاه في سوريا وغيرها، ولربما أيضا لتبييض الاموال. ومن الواضح اليوم أن الأميركيين ليسوا مستعدين لتكرار هذه التجربة ولذلك فهم يطالبون بحكومة اختصاصيين بحجة انها مطلب الحراك في الشارع.

 

كانت الإدارة الأميركية مجمعة على أن هيمنة “حزب الله” داخل لبنان تحدها المؤسسة العسكرية اللبنانية ولذلك يجب التركيز على مساعدة الجيش اللبناني من خلال التدريب في المؤسسات العسكرية الأميركية وتجهيزه بالسلاح والعتاد الأميركي. ما تغير في هذا المجال هو أن الاجماع هذا تضعضع مؤخراً إذ أصبح هناك انقسام، ولو نسبي، حول هذا الموقف داخل الإدارة الأميركية وداخل الكونغرس الأميركي الذي له الحق النهائي في وضع الموازنة العامة بما في ذلك عمليات التسلح والتسليح. نتيجة لهذا الانقسام فالمساعدة الأميركية للجيش اللبناني، التي كانت شبه روتينية في السابق، تأخرت هذه المرة ويخشى البعض أن تجد صعوبات مماثلة في الدورات القادمة.

 

ولكن الامر الايجابي هو أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، التي لها وزن كبير في قرارات الإدارة الأميركية في هذا المجال، ما زالت تعتبر أن الاستثمار في الجيش اللبناني هو استثمار جيد من نواحٍ عدة بما فيها الحرب على الإرهاب ولكونه القوة الأساسية في لبنان التي تؤمن التوازن مع قوة “حزب الله” على الأرض، وهي لطالما عبرت عن تقديرها للجيش اللبناني في مناسبات عدة. أضف الى ذلك أن برنامج زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل الى لبنان هذه المرة، كما في كل مرة، تشمل قائد الجيش العماد جوزيف عون.

 

من ناحية اخرى، من المنتظر أن يثير هيل قضية تهم إسرائيل بشكل خاص ألا وهي ترسيم الحدود البحرية دون البرية كما يطلب لبنان وهذه القضية ستكون بلا شك الأصعب في المحادثات التي ستدور خلال زيارة الموفد الأميركي.

 

* سفير لبنان السابق في واشنطن