على رغم ان الولايات المتحدة حرصت على التأكيد حتى الآن ان الاتفاق مع ايران سيتم فقط حول ملفها النووي والذي يقارب الانتهاء اليوم او خلال الايام القليلة المقبلة على أبعد تقدير، فان الانطباعات الغالبة التي عممت نتيجة اعتبارات مختلفة من بينها ما ساهمت به دول المنطقة نفسها من ان الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وايران سيتيح مرحلة تطبيع بين البلدين منهياً قطيعة تاريخية تعود لاكثر من ثلاثة عقود، ستكون في رأي مصادر ديبلوماسية واخرى سياسية على المحك قريباً جداً. فهذه الانطباعات تعمم على أساس ان الادارة الاميركية التي ستغلق ملفاً منهكاً لها ستدير ظهرها طوعاً لمدة طويلة عن الاضطلاع بشؤون المنطقة خصوصا مع دخول الولايات المتحدة في زمن الحملات الانتخابية استعدادا للانتخابات الرئاسية المقبلة. فحتى الآن امتنعت الولايات المتحدة في شكل خاص ودول مؤثرة اخرى عن اتخاذ مواقف قوية ضد ايران او إجراءات قوية ضد النظام السوري على رغم ادانته مراراً باستخدام الاسلحة الكيميائية ضد شعبه من دون ان تقوم باي عمل ازاء ذلك، ليس بسبب الفيتو الروسي في مجلس الامن فحسب بل لأن دول المجلس كما الولايات المتحدة كانت غير راغبة في القيام بما يتسبب بضرر لمفاوضات قائمة على مسار آخر والتي كانت حتى اليوم المفاوضات مع ايران حول ملفها النووي. وتالياً فان السؤال الاولي بعد الانتهاء من الاتفاق هو هل يحرر الوصول الى اتفاق نهائي مع ايران الادارة الاميركية من المخاوف على اجهاض المفاوضات من اجل اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد النظام السوري مثلاً ام لا او من اجل الاشارة الى مدى التدخل الايراني في سوريا او ادانته اذا ما أخذ في الاعتبار عدم الحماسة الاميركية مثلاً لأي تدخل من جانب تركيا من اجل حماية حدودها ولاقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا؟
السؤال مطروح ليس في ضوء التقرير الذي يعتزم الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا تقديمه الى مجلس الامن نهاية الشهر الجاري والذي تقول المصادر الديبلوماسية انه من المبكر ان يرفع الآمال بامكان تقديم حلول عملية في انتظار توافق اميركي روسي حول العقدة التي يمثلها مصير بشار الأسد بالذات والتي لا تزال عالقة حتى الآن، خصوصاً في ضوء اعادة تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استمرار دعم هذا الاخير، بل هو مطروح في ضوء جملة قرارات عالقة امام مجلس الامن تتصل بشكل خاص بالتقارير عن استخدام غاز الكلورين والبراميل المتفجرة، وفق ما جاء في بيان صحافي لمجلس الامن في 5 حزيران الماضي والذي اتبع برسالة من 71 دولة في 18 من الشهر نفسه وجهت الى مجلس الأمن تعبر عن ادانتها استخدام هذه الاسلحة ضد الشعب السوري. وهذه الدول حضت مجلس الأمن على تطبيق القرارات التي اتخذها هو بنفسه ومنع النظام السوري من الاستمرار في قصف مواطنيه.
في اطار حملتها الانتخابية التي تقوم بها في الولايات الاميركية، اعتبرت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون انه “حتى لو توصلنا الى اتفاق مع ايران فان ذلك لا ينفي ضرورة البقاء يقظين ازاء طهران. اذ انه لا تزال لدينا مشاكل مهمة معها”، مضيفة “انها الراعي الرئيسي للارهاب في العالم”، ومشيرة الى ان النجاح الاميركي لا يجب ان يثنيهم عن العمل من شركائهم من اجل كبح جماح العدوانية الايرانية المستمرة”. ومع ان هذا الكلام هو لمرشحة للانتخابات الرئاسية الاميركية بحيث لا يدخل مفعول كلامها حيز التنفيذ قبل وصولها الى موقع الرئاسة الا انه يعبر ايضا عن آراء كثيرين في مجلسي النواب والشيوخ، في الوقت الذي سعت الادارة الحالية الى محاولة طمأنة دول الخليج العربي من ان الاداء الايراني في المنطقة منفصل عن التطبيع في الموضوع النووي، لكن من دون نجاح كبير في الواقع، ليس فقط على اثر قمة كامب ديفيد الاخيرة بل ايضا في كل الزيارات او اللقاءات التي عقدت وارتبطت بمعالجة تداعيات الحوار الاميركي الايراني بعيدا من مشاركة الحلفاء العرب او اطلاعهم على المحادثات السرية بين الجانبين. اذ ان هذه الدول لم تطمئن فعلا لكل التعهدات الاميركية ولا تزال تحتفظ بشكوك كبيرة ازاء الموقف الاميركي من طهران في ما يخص التعاطي مع تدخلها في دول الشرق الاوسط.
وما لم يفتح موضوع الازمة السورية قريبا في محاولة لايجاد حلول لها في المدى المنظور، ما يعني فتح حوار مع طهران يكمل سياسة المسايرة التي تعتمدها واشنطن معها، وهو امر غير مرجح باعتبار ان لا جواب واحدا لدى عواصم الدول المؤثرة عن تقويمها لما تذهب اليه هذه الازمة بين الفوضى، وفق ما يقول البعض، او الحل وفق صيغة مشاركة على ما هو الوضع في لبنان او الى استمرار الحرب لسنوات عدة اخرى، فان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما ستكون على المحك او امام تحدي ابراز مدى صدق تعهداتها ازاء التدخل الايراني وازاء التصدي للتوسع الايراني في المنطقة من اجل اعادة الثقة بالولايات المتحدة والتزامها استقرار المنطقة، وفق ما وعدت او انها ستنفذ ادارة ظهرها فعلاً لمشكلات المنطقة وفق ما بات الاقتناع سائداً في هذا الاطار.