IMLebanon

أميركا وأوروبا لإبقاء لبنان خارج المظلّة الروسيّة

تعويل غربي على تصويت اللاجئين السوريين ضدّ الأسد

أميركا وأوروبا لإبقاء لبنان خارج المظلّة الروسيّة

لا يزال الحلّ السياسي في سوريا بعيد المنال بالرغم من كوّة الأمل التي أحدثها «اجتماع فيينا» يوم الجمعة الفائت والذي جمع 17 دولة الى جانب الإتحاد الأوروبي والأمم المتّحدة ونجح لأول مرّة بمواجهة وزيري خارجية السعودية وإيران على طاولة حوار واحدة. إنّه انطباع ديبلوماسي غربي رفيع شاركت دولته عبر وزير خارجيّتها في الإجتماع المذكور الذي سينعقد مجددا بعد قرابة الأسبوعين. يصف الديبلوماسي الغربي الإجتماع «بالإنعطافة المهمّة جدّا». يضيف: «يكفي النظر الى الصورة الجامعة لوزيري خارجية إيران والسعودية مع نظيرهما الأميركي جون كيري، ولا ننسى الشخص الرابع في الصورة وهو المبعوث الدّولي ستيفان دي ميستورا العامل بصمت على خطّته والذي بدأ اجتماعات مع المسؤولين في وزارة الخارجية السورية منذ يوم الأحد الفائت». علما بأن دي ميستورا مقلّ بالحديث عن خطته للحلّ في سوريا، ولا سيما اللجان الأربع المتعلقة بالأمن والحماية ومكافحة التطرّف والمسائل السياسيّة والقانونية وإعادة الإعمار التي لم يأت «بيان فيينا» على ذكرها، مكتفيا بدعوة الأمم المتحدة الى جمع ممثلي الحكومة والمعارضة السورية «من أجل عمليّة سياسيّة تؤدي الى عمليّة إنتقالية ذات صدقيّة وجامعة وغير طائفية يعقبها وضع دستور جديد وانتخابات».

ويلفت الديبلوماسي الرفيع الانتباه إلى أنّ الإجتماع «ليس ثمرة التدخّل الجوّي الروسي فحسب، بل إنّه من تداعيات الإتفاق النووي الذي جعل طهران شريكا رئيسيا في الحلّ السوري مع 17 دولة، ما يرتّب على السعودية ملاقاة هذه الدّول كلّها في منتصف الطريق».

عقد عدّة لا تزال تحول دون تحقيق الحلّ السوري المنشود والمرتبط به الحلّ اللبناني مع رغبة غربيّة بفصل المسارين السوري واللبناني بعد سلوك الحلّ السوري طريقه الصحيح.

لبنان منفصل عن سوريا

لبنانيا، تتقاطع مناخات ديبلوماسية غربية عدّة تشير الى أنّ روسيا لم تبد لغاية اليوم أيّ اهتمام خاص بلبنان، بل ينصبّ اهتمامها على سوريا حيث تريد الإحتفاظ بمفاصل رئيسية في السلطة وخصوصا الجيش، كما تريد حماية بعض المناطق مثل طرطوس واللاذقيّة وسواها. من وجهة النظر الغربية فإن روسيا سوف تتخلّى عن نظام الأسد مع مرور الوقت مع الحفاظ على بنيته الأساسية، أما لبنان فيرفض الغرب كليا أن يكون تحت المظلة الروسية بل يريده مستقلا تماما في قراره، إذ يرى الغرب بأن هذه الإستقلالية اللبنانية تصبّ في مصلحة الأمن الإسرائيلي.

لا حديث ممكنا عن الإنتخابات الرئاسيّة اللبنانية قبل 4 أشهر، بحسب هذه الأوساط، وذلك حتى تتوضّح معالم المشهد السوري الضبابي. من جهتهم، يظهّر ديبلوماسيون عاملون في بيروت مناخا عن أفكار متداولة لا تصبّ بالضرورة في صالح إنهاء الصراع السوري بطريقة سريعة.

أما أبرز العراقيل التي يعدّدونها فهي ستّ:

يتعلّق أولاها بمصير الرئيس السوري بشار الأسد: يتقاطع أكثر من مناخ ديبلوماسي غربي حصلت عليه «السفير» حول مقولة أنّ الرئيس بشار الأسد لا يجب أن يبقى في الحكم. ويقول أحد الديبلوماسيين الغربيين الذي رفض الكشف عن إسمه: «إنّ أسرع طريقة لإنهاء الحرب في سوريا تتمثّل في إعلان الرئيس الأسد بأنّه سيغادر السّلطة، وأنّه غير مرشّح للإنتخابات الرئاسية المقبلة، عندها سيتبدّد كلّ خلاف حول سوريا».

ثانيا، عدم تسليم الولايات المتحدة الأميركية بإمكانية السيطرة الروسية التامة على سوريا، بل رغبتها بأن تكون شريكا أساسيا، وقد تبدّى ذلك في «اجتماع فيينا» مع إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن إرسال قوات خاصّة الى سوريا لقتال تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو ما يستشفّ فيه الخبراء تورّطا أميركيا في حرب بريّة أوسع في المستقبل، ما سيزيد الأمور تعقيدا وخصوصا وأنه سينصبّ على دعم «المعارضين المعتدلين» وليس «أصحاب الذقون» كما هو متعارف عليه بين المعارضين السوريين وهو ما يتطلب تعريفا روسيا مشتركا.

قبل هذا الإعلان الأميركي المفاجئ، الذي أملته انتقادات قاسية (منها لوزير الخارجية السابق هنري كيسنجر) لانخفاض التأثير الأميركي في المنطقة لصالح روسيا في سابقة تاريخية لم تشهدها منطقة الشرق الأوسط في عزّ الحرب الباردة، كانت الإدارة الأميركية تقوم بتسليح كثيف للأكراد ليكونوا وكلاء الولايات المتحدة الأميركية في شؤون الأمن في ظلّ الوجود الروسي، ولكي يشكّل الأكراد ورقة للتفاوض في أيّ حلّ إنتقاليّ مقبل.

ثالثا، الرهان الغربي على ورقة اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء، فمصير الرئيس السوري ليس موضع تفاوض بالنسبة للدول الأوروبية وواشنطن، ويقول ديبلوماسي أوروبي رفيع يعمل في بيروت: «لا يمكننا القبول برئيس تسبّب بمقتل 300 ألف من الشعب السوري». هذا الكلام الأميركي والإنكليزي والفرنسي وصل الى دوائر القرار العليا في السعودية، من هنا قرارها بالمشاركة في «اجتماع فيينا» بحضور إيراني لافت. ويشير الديبلوماسي المذكور الذي تحدّث الى «السفير» إلى أنّ الكلام عن تخلي الولايات المتحدة عن السعودية غير صحيح بل يندرج في إطار تمنيات خصومها، فلا يمكننا أن ننسى أن ثمة قاعدة عسكرية أميركية لا تزال موجودة في السعودية، كما أن المعارضة الأميركية الداخلية لإيران واسعة جدّا ولا تسمح بالتخلي عن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين».

بالعودة الى اللاجئين السوريين فثمة رهان غربي بأن يشكّل هؤلاء، وخصوصا الموجودين منهم في البلدان الأوروبية، ورقة ناخبة ستصبّ في غير صالح الأسد، وهذا ما سيقلب موازين القوى في حال قرر الأسد الترشح للرئاسة مجددا. يعوّل الغربيون على هذه الورقة من أجل تغيير الرئيس السوري في صناديق الإقتراع في حال أصرّ الأسد على الترشح، وتقول الأوساط الديبلوماسية الرفيعة: «ليس الأسد مقبولا غربيا إلا لكي يكون ضمن فترة انتقالية لا تتعدّى الأشهر الثلاثة أو الستّة في أبعد تقدير، ولكن ليس أكثر».

العقدة الرابعة أمام الحلّ السوري العتيد تتمثل بعدم الثقة الغربية بالمعارضة السورية، ويتّهم الغربيون هذه المعارضة بـ «المنتفعة» و «غير الجدية»، ما يصعّب لغاية اليوم إيجاد شخصيات سورية بديلة عن تلك التي تعمل لصالح النظام. ومن الأمثلة التي يسوقونها التصريح الأخير الذي أدلى به رئيس «الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة» خالد خوجة ضدّ الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي الذي كان متفهما للتدخّل الجوّي الروسي، فقد دعا خوجة جامعة الدول العربية لعقد جلسة طارئة تبحث التدخّل الجوي الروسي واتخاذ قرار يندّد بموقف الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي. تصف الأوساط الغربية كلام خوجة بأنّه «غير منطقي على الإطلاق»، وتضيف: «فليتذكر أنّه لم يدع ولا مرة واحدة الى اجتماعات جامعة الدّول العربيّة، ومن يعرف آليّات التصويت في الجامعة يدرك بأنّها تتمّ بالتوافق وبعد أن يأخذ الرئيس المصري الكلام. وعلى خوجة أن يعرف أنه يتحدث عن مصر الدولة العربية ذي الوزن الكبير في المنطقة، وإذا لم يبد خوجة قليلا من الجدية فكيف يمكن للدول الغربيّة أن تتعامل معه؟».

العقدة الخامسة، تتمثل باستمرار التسليح لفرق من المعارضة السورية توصف بـ«المعتدلة»، وتتساءل الأوساط الغربيّة: «لماذا إعطاء النّصر للروسي بسرعة؟ فشدّ الحبال قائم، وكلّ فريق سيستمرّ بالمحاولة لكسب المزيد بغية تحسين شروطه في التّفاوض، وتشير الأوساط بقلق الى الفوز الكاسح الذي حققه «حزب العدالة والتنمية» بقيادة رجب طيّب أردوغان في تركيا معتبرة إياه تفصيلا مهمّا جدّا في مستقبل الحرب السوريّة.