الرئيس دونالد ترامب يجرّب مع ايران سيناريو كوريا الشمالية: الانتقال من تبادل التهديدات الحربية الى عرض التفاوض في لقاء مباشر على مستوى القمة بلا شروط. وليس واضحا ان كان الرئيس الأميركي يجتهد ويفاجئ حتى معاونيه كالعادة أم انه يستند الى تطور ما في كواليس سلطنة عمان التي رعت من قبل مفاوضات سرّية وعلنية بين واشنطن وطهران حول الملف النووي. والغامض أيضا، بصرف النظر عن الظواهر، ان كانت ايران ترى في العرض فرصة أم سيكون مثل إلقاء حجر في مياه راكدة.
ذلك ان موقف طهران المعلن هو: لا تفاوض مع أميركا، ولا ثقة بترامب. وما قاد ترامب الى الخروج من الاتفاق النووي هو ان ايران أخذت الاتفاق ورفع العقوبات، ورفضت التفاوض على أي تعديل للاتفاق أو على ملحق يتعلق بالصواريخ الباليستية وعلى أية قضية اقليمية. وعندما توحي عبر واحد من التعليقات السريعة على عرض ترامب ان عليه العودة الى الاتفاق النووي لتمهيد الطريق الى محادثات بين البلدين، فان السؤال هو: هل صار التفاوض ممكنا على القضايا الاقليمية وما تسميه أميركا تغيير السلوك الايراني؟
المرشد الأعلى علي خامنئي يرى ان الجمهورية الاسلامية تقود العالم في مواجهة أميركا، وان السياسة الاقليمية لها في الشرق الأوسط تقترب من تحقيق أهدافها. وبالمقابل، فان الادارة الأميركية تمارس سياسة خطيرة ومؤذية جدا هي استراتيجية الضرب على الجيوب، حيث لا تنفع في مواجهتها المكابرة والمبالغة في عرض القوة والاقتدار. فمن السهل على الجنرال قاسم سليماني ان يهدّد ترامب بحرب غير متماثلة وبالوكالة. لكن من الصعب عليه مواجهة حرب مالية واقتصادية. وهي حرب بدأت تفعل فعلها قبل العودة الى العقوبات ثم تشديدها في آب الحالي وتشرين الثاني.
وليس إضراب البازار سوى بداية. فالعملة الايرانية خسرت نصف قيمتها أمام الدولار خلال أشهر. والعقوبات التي يعاد فرضها ليست مقتصرة على ما تفعله واشنطن بل تشمل أيضا نشاط الشركات الأوروبية والروسية والصينية التي لها أي ارتباط بالسوق الأميركية. ولا علاج للحصار النفطي إلاّ بالتفاوض، لأن المواجهة تقود الى صدام أشدّ أذى من العقوبات.
والتقليد المستمر في طهران هو ردّ ما يحدث الى مؤامرة خارجية. وهذا صحيح في جانب. لكن الصحيح في جانب آخر ان هناك مشكلة داخلية، حيث يلتقي الفساد والقمع وسوء ادارة المال والاقتصاد وزيادة الانفاق العسكري وكلفة النفوذ الاقليمي.
والعلاج يبدأ بالحوار الداخلي قبل الحوار مع الخارج.