Site icon IMLebanon

أميركا والشروط الإيرانيّة

 

 

من المهمّ التوقف عند كلام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وأخذه على محمل الجدّ. يظلّ كلام وزير الخارجيّة الإيراني أفضل تعبير عن سياسة بلده ومفهومه لطبيعة العلاقة بين طهران من جهة، وواشنطن وبقية العواصم المهمّة من جهة أخرى.

 

يقول عبد اللهيان ما فحواه إن «الجمهورية الإسلاميّة» لن تعود إلى المفاوضات في شأن ملفّها النووي، في فيينا، إلّا عند النقطة التي أعلن فيها الرئيس دونالد ترامب في أيّار –مايو من العام 2018  تمزيق الاتفاق النووي. هذا الاتفاق الذي وقّعته إيران مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً في تموز –يوليو 2015  في عهد الرئيس باراك أوباما. كان أوباما مؤمناً بأنّ الملفّ النووي الإيراني يختزل كل ملفات الشرق الأوسط والخليج وأزماتهما. يؤكّد كلام الوزير الإيراني أنّ لا مجال لأيّ تعديل للاتفاق. كل ما على الولايات المتحدة عمله هو التزام نص الاتفاق بصيغته الأصليّة وإلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب التي تراجعت عمّا توصلت إليه إدارة أوباما.

 

نظريّاً، يبدو وزير الخارجيّة الإيراني على حقّ. ليست إيران التي خرجت عن الاتفاق النووي، بل الإدارة الأميركية، التي خلفت إدارة أوباما، من فعل ذلك. هذا يعني غياب الاستمرارية في السياسة الأميركيّة. هذا ما لم تستوعبه إيران في حينه. على العكس من أوباما، كان ترامب يرى في الاتفاق الذي تمّ التوصل عليه مع إيران «أسوأ اتفاق» من نوعه.

 

كان الرئيس السابق على حقّ في ذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن «الجمهوريّة الإسلاميّة» استطاعت تحقيق كلّ المكاسب التي إرادتها، بما في ذلك الحصول على كمّيات كبيرة من الدولارات، في ضوء خضوع باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري للابتزاز الإيراني.

 

باعت إيران الأميركيين والأوروبيين، بغطاء روسي وصيني، كل الأوهام. باعت برنامجاً نووياً لا يزال في مرحلة التطوير في مقابل برنامج موجود على الأرض هو المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. هذا المشروع قائم ولديه أسس حقيقية هي الميليشيات المذهبيّة الإيرانية المنتشرة في المنطقة كلّها، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان… واليمن الذي تحوّل جزء منه (شمال اليمن) إلى قاعدة صواريخ إيرانيّة في شبه الجزيرة العربيّة.

 

هل تستطيع إيران فرض وجهة نظرها على العالم الذي لا يستطيع تجاهل التغيرات التي حصلت بين  2015 و2021؟ سيكون ذلك صعبًا على «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي يبدو واضحاً أنّ الإدارة الأميركية، على الرغم من كلّ نيّاتها الطيبة ورغبتها في الانتقام من ترامب، لا تستطيع تجاهل الخطر الإيراني الذي يختزله سلوك معيّن. بكلام أوضح، لم يعد في استطاعة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين غض النظر عن السلوك الإيراني. بات السلوك الإيراني الذي تعبّر عنه الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستيّة موضوعاً ملازماً للاتفاق النووي. تعتقد إيران أنّ لديها ما يكفي من الأوراق لفرض شروطها على الإدارة الأميركية التي لا تستطيع، في المقابل، الهرب من واقع محدّد. يتمثّل هذا الواقع في أنّ سلوك إيران خارج حدودها جزء لا يتجزّأ من أي اتفاق جديد في شأن الملفّ النووي.

 

بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، سقطت مدينة مأرب في يد الحوثيين أم لم تسقط، لن يقدّم ذلك في شيء. تفتت سوريا أكثر مما هي مفتتة، هذا آخر هموم إدارة بايدن. أكثر من ذلك، بقي لبنان موجوداً على خريطة الشرق الأوسط، أم زال عن هذه الخريطة بعدما صار مستعمرة إيرانية، ليس ما يشير إلى ان مصير لبنان يعني أميركا في هذه الأيّام…

 

عاجلًاأام آجلاً، سيطرح الواقع القائم في المنطقة نفسه بشكل سؤال في غاية البساطة: هل الاستسلام أمام «الجمهوريّة الإسلامية»، كما حصل في عهد جيمي كارتر وعهد باراك أوباما، خيار أميركي نعم أم لا؟ الجواب أن أميركا لا يمكن أن تستسلم أمام «الجمهوريّة الإسلاميّة» لاعتبارات عدّة. من بين هذه الاعتبارات أنّ ليس لدى إيران أي نموذج، من أيّ نوع، تقدّمه لأي دولة من دول المنطقة، بما في ذلك العراق. فشل النظام الإيراني داخل إيران قبل أن يفشل خارجها، حيث ليس من شيء يصدّره سوى السلاح الذي يغذّي الميليشيات. كلّ ما في الأمر، أن إيران تُمارس لعبة لا أفق لها، اللهمّ إلّا إذا كان تدمير دول مثل سوريا ولبنان يعوّض عن الفشل في عقد الصفقة المرجوّة بين «الجمهوريّة الإسلاميّة» من جهة و»الشيطان الأكبر» من جهة أخرى؟

 

يستحيل على الإدارة الأميركيّة الوصول إلى صفقة مع إيران من دون تغيير جذري في سلوكها. هذا لا يعود إلى اعتبارات إسرائيلية فحسب، بل إلى انّ العرب في المنطقة ما زالوا يشكلون ثقلًا أيضاً. صحيح أنّ هناك تغييراً حصل في نظرة أميركا إلى حلفائها في المنطقة، لكنّ الصحيح أيضاً أن حلفاء أميركا في الخليج ليسوا نكرة. يؤكّد ذلك اضطرار واشنطن إلى إعادة النظر في سياستها اليمنية وبداية ظهور وعي لمعنى سقوط مدينة مثل مأرب التي باتت تواجه وضعاً صعباً لكنّه ليس، إلى إشعار آخر، وضعاً ميؤوساً منه كلّياً…