Site icon IMLebanon

أميركا وروسيا: صراع… وتعاون ضد “الإرهاب”

العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي تحيِّر الشعوب العربية والأنظمة التي تحكمها. فهي كانت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي جيدة. لكن الفتور أو البرودة تسلّلا إليها بعد تولّي فلاديمير بوتين السلطة منذ 15 سنة. ذلك أنه، وهو ابن الدولة التي شاركت أميركا الزعامة على العالم منذ 1945، لم يتقبّل تدنّي مرتبة دولته وتحوُّل شريكتها السابقة الزعيمة الأحادية له. كما أنه لم يشعر بالراحة إلى نيّات أميركا تجاه بلاده وخصوصاً بعدما بدأت بعد حلّ “حلف وارسو” تقوية “حلف شمال الأطلسي” الذي تتزعم وتوسيع مدى سيطرته وتدخّله بحيث وصل أو كاد أن يصل إلى الحدود الروسية. وقد دفعه ذلك كله إلى اتخاذ قرار بتكريس روسيا دولة كبرى، وببذل كل الجهود الممكنة واستغلال كل الظروف والتطورات الدولية، وخصوصاً في مناطق التوتُّر الشديد وأهمها على الإطلاق الآن الشرق الأوسط، من أجل إعادتها دولة عظمى. ويبدو من خلال مراجعة ما قام به بوتين خلال سنوات حكمه المستمر، أنه نجح في تحقيق أهداف عدة أهمها على الإطلاق استعادة دور روسيا في الشرق الأوسط عبر استغلاله العداء المطلق بين أميركا وإيران منذ 1979، ولاحقاً عبر توظيفه “الربيع السوري” منذ بدئه قبل نحو 5 سنوات. ويبدو أيضاً أنه نجح في تحدِّي أميركا ومعها أوروبا و”شمال الأطلسي” الذي يجمعهما قبل سنوات في جورجيا، إذ احتل قسماً من أرضها بحجة دفاعه عن قسم من شعبها يريد الانفصال عن الحكومة المركزية جرّاء المظالم التي عرضته لها ولا تزال. كما نجح قبل نحو سنة أو ربما أكثر بقليل في استعادة شبه جزيرة القرم من أوكرانيا بناء لرغبة سكانها ذوي الأصل الروسي.

طبعاً أزعج ذلك الولايات المتحدة كثيراً فبدأت تردّ على روسيا بوتين بخطوات عدة منها الاستمرار في مساعدة أوكرانيا لمواجهة التحدِّي الروسي المزدوج (أي احتلال القرم ورعاية انفصال الإتنية الروسية داخلها عن الدولة المركزية). ودفعت “شمال الأطلسي” إلى القيام بالأمر نفسه، ثم أرسلت قوات ومدرَّعات وطائرات ومدفعية إلى الدول “السوفياتية” سابقاً والمحيطة بروسيا دائماً. وقرَّرت العودة إلى تخزين السلاح في أوروبا الغربية والشرقية أيضاً بعدما كانت توقَّفت عنه عند انتهاء الحرب الباردة لانتفاء الحاجة إليه بانهيار الاتحاد السوفياتي. أما في الشرق الأوسط وتحديداً في موضوعي سوريا وإيران فإن أميركا تركت بوتين يستغل سوء علاقتها أو لا علاقتها بإيران لتحصيل مكاسب عدة اقتصادية وتسليحية ونووية في مقابل الوقوف معها دولياً. كما أنها تركتها تأخذ مداها في دعم الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه بالتعاون مع إيران لأسباب عدة منها أن سوريا لم تكن أولوية لها، وأن ما تحاربه موسكو فيها هو عدو مشترك (الإرهاب الإسلامي المتطرف). لكنها كانت في الوقت نفسه تستفيد من رفض روسيا قيام إيران نووية عسكرياً على حدودها فتفرض العقوبات عليها سواء منفردة أو من خلال مجلس الأمن. كما كانت تستفيد من تطورات الحرب في سوريا والعراق، وأبرزها ظهور “داعش” وتنظيمات إسلامية سنّية أخرى متطرفة حتى العنف التكفيري برعاية دول عربية عدة ودولة إقليمية كبرى هي تركيا، لدفع إيران في العراق كما في سوريا وفلسطين وربما في لبنان إلى موقع دفاعي، بعدما كانت قاربت الانتهاء من هجومها في هذه الدول بإقامة ما سماه الملك الأردني عبدالله الثاني “الهلال الشيعي”.

طبعاً هذه اللمحة التحليلية والإخبارية في آن لا تلغي حقيقة معلوماتية تفيد أن الهدف الإستراتيجي لأميركا هو إنهاء روسيا الدولة الكبرى بعدما انهتها سابقاً كدولة عظمى. وهي ستستعمل في ذلك التردِّي الكبير في الأوضاع داخل روسيا وخصوصاً في مجالات الاقتصاد والبنى التحتية المدنية المتهالكة والبنية العسكرية التحتية والفوقية التي بدا وبوضوح في أثناء اجتياح قسم من جورجيا أنها تحتاج إلى تحديث، لأن انتصارها لم يكن سهلاً كما يقول باحثون وعارفون أميركيون وأوروبيون. كما أن اللمحة نفسها لا تلغي حقيقة أخرى هي أن الولايات المتحدة وروسيا رغم توتُّر علاقتهما وتصارعهما في أوروبا “الشرقية” والشرق الأوسط محكومتان، بعد الإنجاز التاريخي الذي حققتاه مع غيرهما بالاتفاق النووي مع إيران، بالتعاون أيضاً في ملف آخر موضوعه الأساسي سوريا والعراق، ليس فقط لأنهما أولويتان عندهما بل لأن خطر الإرهاب الذي انطلق منهما صار يهدِّد العالم كله.

كيف سيترجم التعاون المذكور؟ وقبل ذلك متى بدأ “الكلام” التعاوني بين واشنطن وموسكو؟