“صندوق الشرور” (Pandora Box كما يُسمى بالإنكليزية) يقيم الآن في الشرق الأوسط، يقول المتابعون الأميركيون الجدّيون أنفسهم. والتطورات الأخيرة فيه، وأبرزها التدخُّل العسكري الروسي المباشر في سوريا، فتحته فانطلق يجوب دوله ويخرِّب مجتمعاتها. وقد يتسبّب ذلك بإطالة حروبه الحالية وباندلاع حروب جديدة الأمر الذي يجعلها شبيهة بحربي الـ30 والـ100 سنة اللتين عاشتهما أوروبا قبل قرون.
ويعتبر هؤلاء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع في فخّ أو أوقع نفسه فيه. ذلك أنه بتحصينه منطقة الرئيس بشار الأسد وطائفته، وبمحاولته إلغاء المعارضة المعتدلة والتنظيمات العسكرية التابعة لها، اختار التقسيم لسوريا. إذ من جهة آثر تثبيت الأسد على “عرشه” لأن الحل المتفاوض عليه للأزمة – الحرب السورية مع المعتدلين وإقامة نظام جديد بالتفاهم معهم يعنيان في وضوح نهاية مواطئ قدم بلاده في حوض المتوسط والمنطقة. فضلاً عن أنه ليس عنده العدد الكافي من “العسكر” لشن حرب برية على “داعش” وسائر التنظيمات الإسلامية الأصولية المتشدِّدة حتى العنف والتكفير. ولذلك سيكتفي باستعمال طيرانه الحربي لضرب مقاتليها تماماً مثلما يفعل الجنود الأميركيون و”التحالف الدولي ضد الإرهاب”. ويعني ذلك أن المتشددين في هذه الحال سيكونون الرابحين.
ومن جهة أخرى يبدو أن الإدارة الأميركية قررت متابعة “تكتيكاتها” حيال الموضوع السوري في ظل استمرار غياب أي استراتيجيا خاصة به عندها وهدفها احتواء المتشدِّدين. ويعود هذا القرار إلى الخيار الذي اعتمده الرئيس أوباما حيال إرسال قواته العسكرية البرية إلى خارج بلاده. طبعاً كانت أفغانستان الدولة التي قرّر إبقاء عسكره فيها رغم خططه للانسحاب منها استثناء، وكان العراق استثناء أيضاً وإن جزئياً. وسبب ذلك هو استمرار الرأي العام الأميركي في معارضة إرسال قوات برِّية إلى سوريا. ولهذا فإن إدارته تتابع استعمال قوتها الحربية الجوية لاحتواء المتشددين المتطرفين. لكن هذه القوة لا تحسم معركة ولا تنتصر في حرب. وانطلاقاً من ذلك يستطيع المرء أن يقول إن المتطرفين يربحون أيضاً هنا.
ومن جهة ثالثة يعرف الأميركيون استناداً إلى المتابعين أنفسهم أن قلقهم يتزايد جرّاء تنامي قوة المتشدِّدين المتطرفين. إذ لديهم عدد كبير من الضباط أصحاب “النجوم” الكثيرة الذين تدرَّبوا في الغرب وفي أميركا وروسيا وغيرهما. وهم يعرفون ماذا يفعلون وكيف يفعلونه. كما يعرفون عدوَّهم. إلى ذلك إنهم الآن في معرض بناء بنية تحتية مثيرة للخوف أو للإعجاب فيها علماء ومختبرات وخبراء عسكريون ومتخصصون في كل أنواع التكنولوجيا والمعلوماتية وعلوم الفضاء. وإذا لم تبادر دولة أو مجموعة دول قوية إلى الذهاب وراء هؤلاء للقضاء عليهم فإنهم سيؤسسون دولة هائلة ومرعبة وسيربحون وسيحصلون بالقوة على صفة ممثلي غالبية المسلمين في العالم أي السنّة.
كيف تنظر أميركا في رأي المتابعين من واشنطن أنفسهم إلى موقف إيران من التدخُّل العسكري الروسي المباشر في سوريا؟
يعتقد هؤلاء أن إيران ارتكبت خطأ بالاصطفاف مع روسيا في “مغامرات” عدة كان آخرها في سوريا. ربما كان عليها أن تفعل ذلك خشية خسارة أي نفوذ أو سيطرة داخل “سوريا الأسد”. لكن ذلك سيجعل من المستحيل وصول واشنطن وطهران إلى تحالف أو اتفاق يشمل العراق. وبموقفها هذا تكون اختارت ضمناً عراقاً مقسَّماً. طبعاً ستستمر أميركا في تدريب الجيش النظامي العراقي لكنها تدرِّب في الوقت نفسه العشائر العراقية، كما تدرِّب أكراد العراق وتزوِّدهم الأسلحة. والعراق منقسم اليوم بين أقلية سنّية تنتمي إلى الغالبية السنّية في العالم الإسلامي، والشيعة والعشائر (سنّية بأكثريتها) والأكراد. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول إن المتشددين والمتطرفين سيسيطرون على القسم الشرقي من سوريا وعلى منطقة العشائر في العراق. ويبدو أنهم أكبر الرابحين حتى الآن، علماً أن الرابح الثاني سيكون الأكراد.
ما هو أثر نجاح روسيا في تحصين منطقة الأسد وفي إبقائه على “عرشه” على لبنان؟
يخشى المتابعون أنفسهم أن يدفع ذلك لبنان مضطراً إلى الاصطفاف مع “سوريا الأسد أو بوتين” إذا أرادت “شعوبه” انتخاب رئيس جمهورية وتأليف حكومة جديدة. هل لدى هؤلاء معطيات جديدة وتحليلات عن التدخُّل الروسي في سوريا وعن نظرة الأميركيين إليه؟